للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرحمن: ٤١] وقال : «يخرج عنق من النار فيقول: وكّلت بثلاث بكلّ جبار عنيد، وكل من جعل مع الله إلها آخر، وبالمصورين» (١).

قلنا: هذا يحتمل أن يكون بعد الوزن والحساب وتطاير الكتب في اليمين والشمال وتعظيم الخلق كما تقدم، ويدل عليه قوله: «وبالمصورين» فإنهم وإن كانوا موحّدين فلا بد لهم من سؤال وحساب، وبعده يكونون أشد الناس عذابا، وإن كانوا كافرين مشركين فيكون ذكرهم تكرارا في الكلام.

على أن نقول: قال بعض العلماء: ذكر الله تعالى الحساب جملة وجاءت الأخبار بذلك، وفي بعضها ما يدل على أن كثيرا من المؤمنين يدخلون الجنة بغير حساب، فصار الناس إذا ثلاث فرق؛ فرقة لا يحاسبون أصلا، وفرقة تحاسب حسابا يسيرا، وهما من المؤمنين، وفرقة تحاسب حسابا شديدا يكون منها مسلم وكافر وإذا كان من المؤمنين من يكون أدنى إلى رحمة الله؛ فلا يبعد أن يكون من الكفار من هو أدنى إلى غضب الله فيدخله النار بغير حساب.

وقد ذكر ابن المبارك في رقائقه عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: «أن بعد أخذ النار هؤلاء تنشر الصحف وتوضع الموازين، وتدعى الخلائق للحساب» (٢). فإن قيل فقد قال تعالى: ﴿كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [المطففين: ١٥] وقال: ﴿وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [القصص: ٧٨] وقال: ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: ٧٧] وهذا يتناول بعمومه جميع الكفار. قلنا: القيامة مواطن: فموطن يكون فيه سؤال وكلام، وموطن لا يكون ذلك، فلا يتناقض الآي والأخبار - والله المستعان.

قال عكرمة: القيامة مواطن يسأل في بعضها ولا يسأل في بعضها. وقال ابن عباس: لا يسألون سؤال شفاء وراحة، وإنما يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لم عملتم كذا وكذا؟ والقاطع لهذا قوله تعالى: ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢، ٩٣]. قال أهل التأويل: عن لا إله إلا الله.

وقد قيل: إن الكفار يحاسبون بالكفر بالله الذي كان طول العمر دثارهم وشعارهم وكل دلالة من دلائل الإيمان خالفوها وعاندوها، فإنهم يبكتون عليها ويسألون عنها عن الرسل وتكذيبهم إياهم لقيام الدلائل على صدقهم.

وقال تعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ﴾


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٣٣٦) والترمذي (٢٥٧٤) وهو في «الصحيحة» (٥١٢).
(٢) جزء من أثر ابن عباس، تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>