﴿بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمّا كانُوا يَفْتَرُونَ﴾ والآي في هذا المعنى كثيرة، ومن تأمل آخر سورة المؤمنين ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ [المؤمنون: ١٠١] إلى آخرها تبين له الصواب في ذلك - والحمد لله على ذلك.
وذكر ابن المبارك عن شهر بن حوشب عن ابن عباس ﵄:«إن بعد أخذ النار هؤلاء الثلاثة: تنشر الصحف وتوضع الموازين ويدعى الخلائق للحساب» وشهر ضعّفه مسلم في كتابه وغيره.
فإن قيل: فقد ذكر اللالكائي في سننه عن عائشة ﵂ قالت: «لا يحاسب رجل يوم القيامة إلا دخل الجنة»(١). قالوا: ولأن الحساب إنما يراد للثواب والجزاء، ولا حسنات للكافر فيجازى عليها بحسابه، ولأن المحاسب له هو الله تعالى، وقد قال: ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾.
قلنا: ما روي عن عائشة قد خالفها غيرها في ذلك، للآيات والأحاديث الواردة في ذلك، وهو الصحيح. ومعنى «ولا يكلمهم الله» أي: بما يحبونه، قاله الطبري. وفي التنزيل: ﴿اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] وقد قيل: إن معنى قوله تعالى: ﴿وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ و ﴿لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ﴾ [الرحمن: ٣٩] سؤال التعرف لتمييز المؤمنين من الكافرين أي: إن الملائكة لا تحتاج أن تسأل أحدا يوم القيامة، أن يقال: ما كان دينك وما كنت تصنع في الدنيا؟ حتى يتبين لهم بإخباره عن نفسه أنه كان مؤمنا أو كان كافرا، لكن المؤمنين يكونون ناضري الوجوه منشرحي الصدور، ويكون المشركون سود الوجوه زرقا مكروبين فهم إذا كلفوا سوق المجرمين إلى النار وتمييزهم في الموقف كفتهم مناظرهم عن تعرف أديانهم، ومن قال هذا فيحتمل أن يقول: إن الأمر يوم القيامة يكون بخلاف ما هو كائن قبله على ما وردت به الأخبار من سؤال الملكين الميت إذا دفن وانصرف الناس عنه فيسألونه عن ربه ونبيه، أي: إذا كان يوم القيامة لم تسأل الملائكة عند الحاجة إلى تمييز فريق عن هذا لاستغنائهم بمناظرهم عما وراءها، ومن قاله يحتج بقوله تعالى: ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أخبر أنهم يسألهم عن أعمالهم، وهذه الآية في الكافرين، ومن قال: يسألهم عن أصل كفرهم ثم عن تجريدهم إياه كل وقت باستهزائهم بآيات الله تعالى ورسله فقد سألهم عما كانوا يعملون. وذلك هو المراد.
(١) أخرجه اللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (١٢٤٨/ ٢٢١٤/٦).