للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكسر الراء إلا أنها سكنت الراء وأدغمت وكله من الضر المشدد، وأما التخفيف فهو من ضاره يضيره ويضوره مخففا.

والمعنى: أن أهل الجنة إذا امتن الله عليهم برؤيته سبحانه تجلى لهم ظاهرا بحيث لا يحجب بعضهم بعضا ولا يضره ولا يزاحمه ولا يجادله كما يفعل عند رؤية الأهلة بل كالحال عند رؤية الشمس والقمر ليلة تمامه.

وقد روي: «تضامّون» من المضامة وهي الازدحام أيضا أي لا تزدحمون عند رؤيته تعالى كما تزدحمون عند رؤية الأهلة.

وروي تضامون بتخفيف الميم، من الضيم الذي هو الذل أي لا يذل بعضكم بعضا بالمزاحمة والمنافسة والمنازعة وسيأتي هذا المعنى مرفوعا إلى النبي في أبواب الجنة إن شاء الله تعالى.

قوله: «فإنكم ترونه كذلك» هذا تشبيه للرؤية وحالة الرائي لا المرئي، لأن الله سبحانه لا يحاط به، وليس كمثله شيء ولا يشبهه شيء.

وقوله: «فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون» هذا موضع الامتحان ليميز المحق من المبطل، وذلك أنه لما بقي المنافقون والمراءون متلبسين بالمؤمنين والمخلصين، زاعمين أنهم منهم، وأنهم عملوا مثل أعمالهم وعرفوا الله مثل معرفتهم امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة قالت للجميع أنا ربكم فأجاب المؤمنون بإنكار ذلك والتعوذ منه لما قد سبق لهم من معرفتهم بالله ﷿ في دار الدنيا، وأنه منزه عن صفات هذه الصور إذ سماتها سمات المحدثات.

ولهذا قال في حديث أبي سعيد الخدري فيقولون: «نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا» مرتين أو ثلاثا، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب.

قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمر في كتاب «المفهم لشرح اختصار كتاب مسلم»: «وهذا لمن لم يكن له رسوخ العلماء ولعلهم الذين اعتقدوا الحق وجزموا عليه من غير بصيرة ولذلك كان اعتقادهم قابلا للانقلاب» (١)، والله أعلم.

قلت: ويحتمل أن يكونوا المنافقين والمرائين وهو أشبه والله أعلم، لأن في الامتحان الثاني يتحقق ذلك، لأن في حديث أبي سعيد بعد قوله: «حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفوه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرّ على قفاه، ثم


(١) انظر «المفهم» (١/ ٤١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>