للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسن ذكره أبو الليث السمرقندي في تفسير سورة ن والقلم، فقال: حدّثنا الخليل بن أحمد قال: حدّثنا ابن منيع قال: حدّثنا هدبة قال: حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن عمارة عن بردة بن أبي موسى قال: حدّثني أبي قال:

سمعت رسول الله يقول: إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون في الدنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التوحيد فيقال لهم: ما تنتظرون وقد ذهب الناس؟ فيقولون: إن لنا ربا كنا نعبده في الدنيا ولم نره، قال:

وتعرفونه إذ رأيتموه؟ فيقولون نعم، فقال: فكيف تعرفونه ولم تروه؟ قالوا: إنه لا شبيه له، فيكشف لهم الحجاب فينظرون إلى الله تعالى فيخرون له سجدا وتبقى أقوام ظهورهم مثل صياصي البقر فيريدون السجود فلا يستطيعون فذلك قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ [القلم: ٤٢] فيقول الله تعالى عبادي ارفعوا رؤوسكم فقد جعلت بدل كل رجل منكم من اليهود والنصارى في النار (١).

قال أبو بردة: فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال: آلله الذي لا إله إلا هو حدّثك أبوك بهذا الحديث؟ فحلفت له ثلاث أيمان فقال عمر: ما سمعت من أهل التوحيد حديثا هو أحب إليّ من هذا.

قال المؤلف: فهذا الحديث يبين لك معنى كشف الساق وأنه عبارة عن رؤيته سبحانه وهو معنى ما في صحيح مسلم، والحديث يفسر بعضه بعضا فلا إشكال فيه، والحمد لله. وقد ذكر البيهقي عن روح بن جناح عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه عن النبي في قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ قال: «عن نور عظيم يخرون له سجدا» (٢). تفرد به روح بن جناح، وهو شامي يأتي بأحاديث منكرة لا يتابع عليها، وموالي عمر بن عبد العزيز فيهم كثرة.

قال المؤلف: الحديث الذي قبله أبين وأصح إسنادا فليعول عليه.

وقد هاب الإمام أبو حامد الغزالي القول فيه وأشفق من تأويله فقال في كتاب «كشف علوم الآخرة»: ثم يكشف الجليل عن ساقه فيسجد الناس كلهم تعظيما له وتواضعا إلا الكفار الذين قد أشركوا به أيام حياتهم، وعبدة الحجارة والخشب، وما لم ينزل به سلطانا فإن صياصي أصلابهم تعود حديدا فلا يقدرون على السجود وهو قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾.


(١) إسناده تالف.
(٢) أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» ص ٣٤٨، وأبو يعلى كما في «فتح الباري» (٨/ ٥٣١)، وضعف إسناده الحافظ هناك.

<<  <  ج: ص:  >  >>