للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تدرون ما ورودها؟ قالوا: الله أعلم. قال: فإن ورودها أن يجاء بجهنم وتمسك للناس كأنها متن إهالة حتى إذا استقرت عليها أقدام الخلق برهم وفاجرهم نادى مناد: أن خذي أصحابك، وذري أصحابي. فتخسف بكل ولي لها، فهي أعلم بهم من الوالد بولده، وينجو المؤمنون (١).

وقال مجاهد: ورود المؤمنين هو الحمى التي تصيب المؤمن في دار الدنيا، وهي حظ المؤمن من النار فلا يردها.

وأسند أبو عمر بن عبد البر في ذلك حديثا في «التمهيد» عن أبي هريرة أن رسول الله عاد مريضا من وعك به، فقال النبي : «أبشر فإن الله تعالى يقول:

هي ناري أسلّطها على عبدي المؤمن لتكون حظّه من النار» (٢).

وقالت طائفة: الورود النظر إليها في القبر فينجي منها الفائز، ويصلاّها من قدّر عليه دخولها، ثم يخرج منها بالشفاعة أو بغيرها من رحمة الله تعالى، واحتجّوا بحديث ابن عمر: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي» الحديث.

وقيل: المراد بالورود الإشراف على جهنم والاطلاع عليها والقرب منها.

وذلك أنهم يحضرون موضع الحساب وهو بقرب جهنم، فيرونها وينظرون إليها في حالة الحساب، ثم ينجي الله الذين اتقوا مما نظروا إليه، ويصار بهم إلى الجنة ﴿وَنَذَرُ الظّالِمِينَ﴾ أي: يؤمر بهم إلى النار، قال الله تعالى: ﴿وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾ [القصص: ٢٣] أي: أشرف عليه، لا أنه دخله. وروت حفصة؛ أن رسول الله قال: «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية». قالت: فقلت: يا رسول الله! وأين قول الله ﷿: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها﴾؟ فقال رسول الله : ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اِتَّقَوْا﴾ [مريم: ٧٢] خرّجه مسلم من حديث أم مبشر قالت: سمعت رسول الله عند حفصة الحديث (٣).

وقيل: الخطاب للكفار في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها﴾ روى وكيع، عن شعبة، عن عبد الله بن السائب، عن رجل، عن ابن عباس أنه قال في قول الله ﷿: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها﴾ قال: هذا خطاب للكفار.

وروي عنه أنه كان يقرأ: «وإنّ منهم» ردا على الآيات التي قبلها من الكفار


(١) أخرجه نعيم في زوائد «الزهد» برقم (٤٠٥).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٤٤٠) والترمذي (٢٠٨٨) وابن ماجه (٣٤٧٠)، وهو في «صحيح سنن ابن ماجه» (٢٧٩٤).
(٣) أخرجه مسلم (٢٤٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>