للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ﴾ و ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ﴾ و ﴿ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا﴾ [مريم: ٦٨ - ٧١]. وكذلك قرأ عكرمة وجماعة.

وقالت فرقة: المراد ﴿مِنْكُمْ﴾: الكفرة. والمعنى: قل لهم يا محمد وإن منكم.

وقال الجمهور: المخاطب العالم كلّه ولا بد من ورود الجميع، وعليه نشأ الخلاف في الورود، كما ذكرنا، والصحيح أن الورود: الدخول لحديث أبي سعيد، كما ذكرنا.

وفي «مسند» الدارمي أبي محمد، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : «يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشد الرجل في مشيه» (١).

وقال : «لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار إلاّ تحلّة القسم» (٢) خرّجه الأئمة. قال الزهري كأنه يريد هذه الآية: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها﴾ ذكره أبو داود الطيالسي في مسنده.

وهذا يبين لك ما ذكرناه لأن المسيس حقيقته في اللغة المماسة إلا أنها تكون بردا وسلاما على المؤمنين وينجون منها سالمين، قال خالد بن معدان: «إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا: ألم يقل ربنا إنا نرد النار؟ فيقال: قد وردتموها فألقيتموها رمادا».

قلت: والذي يجمع شتات الأقوال؛ أن يقال: إن من وردها، ولم تؤذه بلهبها وحرها فقد أبعد عنها ونجى منها، نجانا الله منها بفضله وكرمه، وجعلنا ممن وردها سالما، وخرج منها غانما.

وروى ابن جريج عن عطاء قال: قال أبو راشد الحروري لابن عباس: ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها﴾ [الأنبياء: ١٠٢] فقال له ابن عباس: أمجنون أنت؟ فأين قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها﴾ وقوله: ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النّارَ﴾ [هود: ٩٨] وقوله: ﴿إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً﴾ [مريم: ٨٦].

ولقد كان من دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالما، وأدخلني الجنة فائزا.


(١) أخرجه أحمد (١/ ٤٣٥) والترمذي (٣١٥٩) والدارمي في «سننه» (٤٢٤/ ٢٨١٠/٢) والحاكم (٢/ ٣٧٥ و ٤/ ٥٨٦). وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في «الصحيحة» رقم (٣١١).
(٢) أخرجه البخاري (١٢٤٨) وغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>