للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من عمل عملا بنية من قلبه، كقوله: «الأعمال بالنيات» وفي هذا المعنى خبر عجيب يأتي ذكره آنفا إن شاء الله تعالى.

ويجوز أن يراد به رحمة على مسلم، رقّة على يتيم، خوفا من الله، رجاء له، توكّلا عليه، ثقة به، مما هي أفعال القلوب دون الجوارح، وسماها إيمانا لكونها في محل الإيمان.

والدليل على أنه أراد بالإيمان ما قلنا، ولم يرد مجرد الإيمان الذي هو التوحيد له، ونفي الشركاء والإخلاص، بقول لا إله إلا الله؛ ما في الحديث نفسه من قوله: «أخرجوا أخرجوا». ثم هو سبحانه بعد ذلك يقبض قبضة فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط، يريد إلاّ التوحيد المجرّد من الأعمال. وقد جاء هذا مبينا فيما رواه الحسن عن أنس وهي الزيادة التي زادها علي بن معبد في حديث الشفاعة:

«ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخرّ له ساجدا، قال: فيقال لي:

يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفّع. فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله. قال: ليس ذاك لك - أو قال: ليس ذلك إليك - وعزّتي وكبريائي وعظمتي وجبروتي لأخرجنّ من قال لا إله إلا الله» (١).

وذكر الترمذي الحكيم أبو عبد الله في «نوادر الأصول» عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : «يكتب على جباههم عتقاء الرحمن فيسألون أن يمحو ذلك الاسم عنهم فيمحوه» وفي رواية: «فيبعث الله ملكا فيمحوه عن جباههم» الحديث وسيأتي.

يقال: محا لوحه يمحوه محوا، ويمحيه محيا، ومحاه أيضا فهو ممحوّ وممحي، صارت الواو ياء لكسر ما قبلها فأدغمت في الياء التي هي لام الفعل.

وأنشد الأصمعي:

كما رأيت الورق الممحيا

وانمحى: انفعل، وامتحى لغة فيه ضعيفة. قاله الجوهري.

وذكره أبو بكر البزار في «مسنده» عن أبي سعيد الخدري، عن النبي قال: «أما أهل النار الذين هم أهلها؛ فلا يموتون فيها ولا يحيون، وأما الذين يريد الله إخراجهم فتميتهم النار ثم يخرجون منها، فيلقون على نهر الحياة، فيرسل الله عليهم من مائها فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ويدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة:

الجهنميين، فيدعون الله تعالى فيذهب ذلك الاسم عنهم» (٢).


(١) تقدّم تخريجه.
(٢) تقدّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>