للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: ذلك جائز فيمن كان يظهر الشر ويعلن به، فيكون ذلك من باب لا غيبة لفاسق.

وقيل: إن النهي إنما هو بعد الدفن، وأما قبله فممنوع، لقوله :

«لا تسبوا الأموات»، فالنهي عن سبّ الأموات متأخر، فيكون ناسخا، والله أعلم.

وقوله: «أنتم شهداء الله في الأرض» معناه عند الفقهاء: إذا أثنى عليه أهل الفضل والصدق والعدالة، لأن الفسقة قد يثنون على الفاسق فلا يدخل في الحديث، وكذلك لو كان القائل فيه عدوا له وإن كان فاضلا، لأن شهادته في حياته لو كانت عليه كانت غير مقبولة، وكذلك الحكم في الآخرة، والله أعلم.

وقيل: إن تكرار «أنتم شهداء الله في الأرض» ثلاثا إشارة إلى القرون الثلاثة؛ الذين قال فيهم النبي : «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (١).

قلت: الأول أصح؛ لأن الله تعالى مدح هذه الأمة بالفضل والعدالة إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ﴾ [البقرة: ١٤٣] يعني في الآخرة كما تقدم، فلا يشهد إلا العدول.

وقد خرج البخاري عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال: «مرّ على النبيّ بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال: وجبت، ثم مرّ عليه بأخرى، فأثنوا عليها شرا، أو قال غير ذلك، فقال: وجبت. فقيل: يا رسول الله؛ قلت لهذا وجبت، ولهذا وجبت، قال:

المؤمنون شهداء الله في الأرض». وخرجه ابن ماجه (٢) بهذا الإسناد وقال: «شهادة القوم والمؤمنون شهود الله في الأرض».

وفي البخاري أيضا عن عمر قال: قال رسول الله : «من شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة. قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة. فقلنا: واثنان؟ قال:

واثنان» ثم لم نسأله عن الواحد (٣).

قال أبو محمد عبد الحق: وهذا الحديث مخصوص - والله أعلم - والذي قبله يعطي العموم، وإن كثرت شهوده وانطلقت ألسنة المسلمين فيه بالخير والثناء الصالح كانت له الجنة، والله أعلم.

قال المؤلف : ومن هذا المعنى ما ذكره هنّاد بن السّرى:

أخبرنا إسحاق الرازي، عن أبي سنان، عن عبد الله بن السائب قال: مرّت جنازة


(١) أخرجه البخاري (٢٦٥٢) ومسلم (٢٥٣٣) من حديث عبد الله بن مسعود.
والحديث رواه جمع من الصحابة.
(٢) في «السنن» (١٤٩١).
(٣) أخرجه البخاري (١٣٦٨، ٢٦٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>