للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعبد الله بن مسعود فقال لرجل: ««قم فانظر من أهل الجنة هو أم من أهل النار. قال الرجل: ما يدريني أمن أهل الجنة هو أم من أهل النار؟! وكيف أنظر؟ قال: ثناء الناس عليه، فإنهم شهداء الله في الأرض» (١).

قال أبو محمد وغير مستنكر إذا أحب الله عبدا أمر أن يلقي على ألسنة المسلمين الثناء عليه وفي قلوبهم المحبة له قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦].

وقال : «إذا أحب الله عبدا قال: يا جبريل؛ إني أحبّ فلانا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه، قال: فيحبّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» وذكر في البغضاء مثل ذلك، وهذا حديث صحيح خرّجه البخاري ومسلم (٢).

قال أبو محمد عبد الحق: وقد شوهد رجال من المسلمين علماء صالحون كثر الثناء عليهم وصرفت القلوب إليهم في حياتهم وبعد مماتهم، ومنهم من كثر المشيعون لجنازته وكثر الحاملون لها، والمشتغلون بها، وربما كثّر الله الخلق بما شاء من الجن المؤمنين أو غيرهم، مما يكون في صور الناس.

ذكر قاسم بن أصبغ قال: حدّثنا أحمد بن زهير، قال: أخبرنا محمد بن يزيد الرفاعي قال: مات عمرو بن قيس الملائي بناحية فارس؛ فاجتمع لجنازته من الخلق ما لا يحصى، فلما دفن نظروا فلم يروا أحدا، قال الرفاعي: سمعت هذا ممن لا أحصي كثرة، وكان سفيان الثوري يتبرك بالنظر إلى عمرو بن قيس هذا!

ولما مات أحمد بن حنبل صلّى عليه من المسلمين ما لا يحصى، فأمر المتوكّل أن يمسح موضع الصلاة عليه من الأرض، فوجد موقف ألفي ألف وثلاث مائة ألف أو نحوها. ولما انتشر خبر موته أقبل الناس من البلاد يصلّون على قبره، فصلّى عليه ما لا يحصى.

ولما مات الأوزاعي اجتمع للصلاة عليه من الخلق ما لا يحصى وروي أنه أسلم في ذلك اليوم من أهل الذمة اليهود والنصارى نحو من ثلاثين ألفا، لما رأوا من كثرة الخلق على جنازته، ولما رأوا من العجب في ذلك اليوم.

ولما مات سهل بن عبد الله التّستري انكبّ الناس على جنازته، وحضرها من الخلق ما لا يعلمه إلا الله تعالى، وكانت في البلد ضجة فسمع بها


(١) أخرجه هناد في «الزهد» رقم (٣٧٠) بإسناد صحيح.
(٢) أخرجه البخاري (٧٤٨٥) ومسلم (٢٦٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>