للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الأزهري: الأبله في كلامهم على وجوه: يقولون: عيش أبله؛ إذا كان ناعما، ومنه أخذ بلهنيّة العيش. قال بعضهم: وطالما عشت في بلهنية.

والأبله: الذي لا عقل له، والأبله: الذي طبع على الخير، وهو غافل عن الشر لا يعرفه، وقال: هذا هو المراد بالحديث.

وقال العتبي: البله: هم الذين غلب عليهم سلامة الصدور وحسن الظن بالناس. وأنشد:

ولقد لهوت بطفلة ميالة … بلهاء تطلعني على أسرارها

يعني: أنه أغرّ لا دهاء فيها.

قلت: ونظير ما ذكرناه وما قاله هؤلاء الأئمة من الكتاب قوله تعالى: ﴿إِلاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: ٨٩] وقوله وقد سئل أي الناس أفضل؟ قال:

«الصادق اللسان المخموم القلب» قالوا: أما الصادق اللسان فقد عرفناه. أنه ذلك، فما المخموم القلب؟ قال: «النقي الذي لا غلّ فيه ولا حسد» ذكره أبو عبيدة (١).

والعرب تقول: خممت البيت أي كنسته، ومنه سميت الخمامة وهي مثل القمامة والكناسة.

وقال بعض العلماء في البله وجها آخر لطيفا؛ وهو أنهم سمّوا بذلك لقصورهم عن كمال المعرفة بحق الله تعالى، ورؤية استحقاقه العبادة، وإيثار طلبه والشغف بحبه وخدمته، وطلب رضاه الذي هو جنة الخلد، إذا وقفوا بخواطرهم على الجنة نعيمها، وعبدوه وأطاعوه في نيل درجاتها ولذاتها، غافلين عن مراقبة جلاله وملاحظة كماله، بعكوف هممهم على نيل نعمه وأفضاله، فهم بله أيضا بالإضافة إلى العقلاء عن الله ﷿، ذوي الألباب المقبلة على مشاهدة عظمة الله تعالى، المتوجهين بكليتهم إليه المشغولين به عما لديه، ولهذا قال النبي في سياق قوله: «أكثر أهل الجنة البله وعليّون لأولي الألباب». وفي الخبر: أن طائفة من العقلاء بالله ﷿ تزفّهم الملائكة إلى الجنة، والناس في الحساب، فيقولون للملائكة: إلى أين تحملوننا؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: إنكم لتحملونا إلى غير بغيتنا. فتقول لهم الملائكة: وما بغيتكم؟ فيقولون: المقعد الصدق مع الحبيب، كما أخبر: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٥٥] ولعل من هذا القبيل من يسأل الله الجنة إلا أن سؤاله إياها لا لها، بل موافقة لمولاه، لما علم أنه


(١) في «غريب الحديث» (٣/ ١١٨)، وأخرجه ابن ماجه (٤٢١٦)، وهو في «السلسلة الصحيحة» رقم (٩٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>