للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان وأفرح منه بذلك الملك وهو قوله تعالى: ﴿وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ﴾ [آل عمران: ٨] ثم يقبض عند الطعنة على ما يأتي (١).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حضرت وفاة أبي أحمد، وبيدي الخرقة لأشدّ لحييه، فكان يغرق ثم يفيق ويقول بيده: لا بعد، لا بعد. فعل هذا مرارا، فقلت له: يا أبت أي شيء ما يبدو منك؟ فقال: إن الشيطان قائم بحذائي، عاضّ على أنامله، يقول: يا أحمد فتّني، وأنا أقول: لا، بعد لا، حتى أموت (٢).

قلت: وقد سمعت شيخنا الإمام أبا العباس أحمد بن عمر القرطبي بثغر الإسكندرية يقول: حضرت أخا شيخنا أبي جعفر أحمد بن محمد القرطبي بقرطبة وقد احتضر. فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا، لا، فلما أفاق ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن شمالي. يقول أحدهما: مت يهوديا فإنه خير الأديان، والآخر يقول: مت نصرانيا فإنه خير الأديان. فكنت أقول لهما:

لا، لا، إليّ تقولان هذا؟

وقد كتبت بيدي في كتاب الترمذي والنسائي عن النبي : «إن الشيطان يأتي أحدكم عند موته فيقول: مت يهوديا مت نصرانيا». فكان الجواب لهما لا لكما.

قلت: ومثل هذا عن الصالحين كثير يكون الجواب للشيطان لا لمن يلقنه الشهادة، وقد تصفّحت كتاب الترمذي أبي عيسى، وسمعت جميعه، فلم أقف على هذا الحديث فيه، فإن كان في بعض النسخ - فالله أعلم.

وأما كتاب النّسائي فسمعت بعضه، وكان عندي كثير منه، فلم أقف عليه، وهو نسخ، فيحتمل أن يكون في بعضها. والله أعلم.

وروى ابن المبارك وسفيان عن ليث، عن مجاهد قال: ما من ميّت إلا تعرض عليه أهل مجالسه الذين كان يجالس، إن كانوا أهل لهو فأهل لهو، وإن كانوا أهل ذكر فأهل ذكر.

وقال الربيع بن شبرة بن معبد الجهني وكان عابدا بالبصرة: أدركت الناس بالشام وقيل لرجل: يا فلان! قل: لا إله إلا الله قال: اشرب واسقني، وقيل لرجل


(١) هذا خلاف ما قرّره المصنف في تفسير هذه الآية؛ انظر «الجامع لأحكام القرآن» له (٤/ ١٩ - ٢١) و «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (١/ ٤٥٤ - ٤٥٥) وغيرهما.
(٢) قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (١١/ ٣٤١): «وفي جزء محمد بن عبد الله بن علم الدين: سمعناه قال: سمعت عبد الله بن أحمد يقول: … فذكره - ثم قال: فهذه حكاية غريبة، تفرّد بها ابن علم، فالله أعلم».

<<  <  ج: ص:  >  >>