ثم يقولون: ﴿رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنّا قَوْماً ضالِّينَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦]، فيجيبهم: ﴿اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] فلا يتكلمون بعدها أبدا.
وخرّجه ابن المبارك بأطول من هذا فقال: أخبرنا الحكم بن عمر عن أبي ليلى، حدّثني عامر قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني - أو ذكر لي - أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله تعالى: ﴿وَقالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ﴾ [غافر: ٤٩] فسألوا يوما واحدا يخفف عنهم فيه العذاب، فردت عليهم الخزنة: ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ﴾ [غافر: ٥٠].
قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكا - وهو عليهم وله مجلس في وسطها وجسور تمر عليها ملائكة العذاب، فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: ﴿يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ﴾ [الزخرف: ٧٧].
ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: ﴿إِنَّكُمْ ماكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٧].
فلما سمعوا منه ما سمعوا وأيسوا مما قبله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء إنه قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلم فلنصبر فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الطاعة على طاعة الله فنفعهم الصبر إذا صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: ﴿سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ﴾ [إبراهيم: ٢١] أي: من منجى.
قال: فقام إبليس عند ذلك فقال: ﴿إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ