فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ [إبراهيم: ٢٢] يقول: بمغن عنكم شيئا ﴿وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢].
قال: فلما سمعوا مقالته مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا ﴿لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ﴾ [غافر: ١٠، ١١].
قال: فرد عليهم ذلك بأنه: ﴿إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ [غافر: ١٢].
قال فهذه واحدة: فنادوا الثانية: ﴿رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢].
قال: فيرد عليهم: ﴿وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها﴾ [السجدة: ١٣].
يقول: لو شئت لهديت الناس جميعا فلم يختلف منهم أحد ﴿وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٣، ١٤].
قال: فهذه ثنتان؛ فنادوا الثالثة: ﴿رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ [إبراهيم: ٤٤].
فيرد عليهم: ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿الْجِبالُ﴾ [إبراهيم: ٤٤ - ٤٦].
قال: فهذه الثالثة. قال: ثم نادوا الرابعة: ﴿رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنّا نَعْمَلُ﴾ [فاطر: ٣٧].
قال فيجيبهم: ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٧].
ثم مكث عنهم ما شاء الله. ثم ناداهم: ﴿أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥].
قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرضى ربنا عنا، فقالوا عند ذلك: ﴿رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا﴾ [المؤمنون: ١٠٦]- أي: الكتاب الذي كتب علينا - ﴿وَكُنّا قَوْماً ضالِّينَ * رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنّا ظالِمُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٦، ١٠٧] فقال عند ذلك: ﴿اِخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ [المؤمنون: ١٠٨] فانقطع عن ذلك الرجاء والدعاء