وعن سعيد بن جبير قال: إن في النار لرجلا - أظنه في شعب من شعابها - ينادي مقدار ألف عام: يا حنّان يا منّان، فيقول رب العزّة لجبريل: يا جبريل، أخرج عبدي من النار، فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع، فيقول: يا رب، إنها عليهم مؤصدة، فيقول:
يا جبريل؛ ارجع ففكها فأخرج عبدي من النار، فيفكّها فيخرج مثل الخيال، فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما ودما. ذكره أبو نعيم (١).
وروى ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي» الحديث وقد تقدم. وفيه بعد قوله:«وأطولهم مكثا من يمكث فيها مثل الدنيا منذ خلقت إلى يوم أفنيت، وذلك سبعة آلاف سنة، ثم إن الله إذا أراد أن يخرج الموحّدين منها قذف في قلوب أهل الأديان فقالوا لهم: كنا وأنتم وآباؤنا جميعا في الدنيا؛ فآمنتم وكفرنا وصدّقتم وكذبنا، وأقررتم وجحدنا؛ فما أغنى ذلك عنكم، نحن وأنتم اليوم فيها سواء، تعذّبون كما نعذب، وتخلدون فيها كما نخلد؛ فيغضب الله عند ذلك غضبا شديدا لم يغضب مثله من شيء فيما مضى؛ ولا يغضب من شيء فيما بقي، فيخرج أهل التوحيد منها إلى عين بين الجنة والنار والصراط يقال لها: نهر الحياة، فيرش عليهم الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل؛ فما يلي الظل منها أخضر، وما يلي الشمس منها أصفر، ثم يدخلون الجنة فيكتب على جباههم: هؤلاء عتقاء الله من النار، إلا رجلا واحدا يمكث فيها ألف سنة، ثم ينادي: يا حنان يا منان؛ فيبعث الله إليه ملكا فيخوض في النار في طلبه سبعين عاما لا يقدر عليه، ثم يرجع فيقول: إنك أمرتني أن أخرج عبدك فلانا من النار منذ سبعين عاما فلم أقدر عليه، فيقول الله تعالى: انطلق فهو في وادي كذا تحت صخرة فأخرجه؛ فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة.
ثم إن الجهنميين يطلبون من الله تعالى أن يمحو عنهم ذلك الاسم، فيبعث الله ملكا فيمحوه عن جباههم.
ثم إنه يقال لأهل الجنة ومن دخلها من الجهنميين: اطّلعوا إلى أهل النار فيطلعون إليهم فيرى الرجل أباه ويرى جاره وصديقه، ويرى العبد مولاه، ثم إن الله تعالى يبعث إليهم الملائكة بأطباق من نار، ومسامير من نار، وعمد من نار: فتطبق عليهم بتلك الأطباق، وتشد بتلك المسامير، وتمد بتلك العمد فلا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ولا يخرج منه غم وينساهم الرحمن على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبدا، وينقطع الكلام؛ فيكون كلامهم زفيرا وشهيقا، فذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ﴾ [الهمزة: ٨، ٩]. وقال ابن مسعود: في عمد، أي: بعمد، وكذا في مصحفه «إنها عليهم مؤصدة بعمد».