للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخرّج أبو نعيم الحافظ، عن زاذان قال: سمعت كعب الأحبار يقول: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فنزلت الملائكة فصاروا صفوفا، فيقول الله لجبريل: ائت بجهنم، فيجيء بها تقاد بسبعين ألف زمام حتى إذا كانت من الخلائق على قدر مائة عام زفرت زفرة طارت لها أفئدة الخلائق، ثم زفرت ثانية فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه، ثم تزفر الثالثة فتبلغ القلوب الحناجر وتذهل العقول فيفزع كل امرئ إلى عمله، حتى إن إبراهيم الخليل يقول: بخلّتي لا أسألك إلا نفسي، ويقول موسى: بمناجاتي لا أسألك إلا نفسي، ويقول عيسى: بما أكرمتني لا أسألك إلا نفسي، لا أسألك مريم التي ولدتني، ومحمد يقول: أمتي أمتي، لا أسألك اليوم نفسي، إنما أسألك أمتي. قال فيجيبه الجليل : إن أوليائي من أمتك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ فو عزّتي وجلالي لأقرنّ عينك في أمتك. ثم يقف الملائكة بين يدي الله تعالى ينتظرون ما يؤمرون به. فيقول لهم تعالى وتقدس: معاشر الزبانية؛ انطلقوا بالمصرّين من أهل الكبائر من أمة محمد إلى النار، فقد اشتدّ غضبي عليهم بتهاونهم بأمري في دار الدنيا، واستخفافهم بحقي وانتهاكهم حرمي، يستخفون من الناس ويبارزونني مع كرامتي لهم وتفضيلي إياهم على الأمم، ولم يعرفوا فضلي وعظيم نعمتي؛ تأخذ الزبانية بلحى الرجال وذوائب النساء فينطلق بهم إلى النار، وما من عبد يساق إلى النار؛ من غير هذه الأمة، إلا مسود وجهه، قد وضعت الأنكال في رجليه والأغلال في عنقه، إلا من كان من هذه الأمة، فإنهم يساقون بألوانهم؛ فإذا وردوا على مالك قال لهم: معاشر الأشقياء، من أي أمة أنتم؟ فما ورد عليّ أحسن وجوها منكم! فيقولون: يا مالك، نحن من أمة القرآن، فيقول لهم: يا معشر الأشقياء، أوليس القرآن أنزل على محمد ؟

قال: فيرفعون أصواتهم بالنحيب والبكاء، فيقولون: وا محمداه! وا محمداه! اشفع لمن أمر به إلى النار من أمتك.

قال: فينادي مالك بتهدد وانتهار: يا مالك؛ من أمرك بمعاتبة أهل الشقاء ومحادثتهم والتوقف عن إدخالهم العذاب؟ يا مالك، لا تسود وجوههم فقد كانوا يسجدون لي في دار الدنيا. يا مالك: لا تغلهم بالأغلال، فقد كانوا يغتسلون من الجنابة. يا مالك، لا تعذبهم بالأنكال، فقد طافوا بيتي الحرام. يا مالك؛ لا تلبسهم القطران، فقد خلعوا ثيابهم للإحرام. يا مالك، مر النار لا تحرق ألسنتهم، فقد كانوا يقرءون القرآن. يا مالك، قل للنار تأخذهم على قدر أعمالهم، فالنار أعرف بهم وبمقادير استحقاقهم من الوالدة بولدها. فمنهم من تأخذه النار إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>