للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذا الذي يقدر أن يصف حسنهن؟ فانظر ما هنالك، وفي الأوليين ذكر بأنهن قاصرات الطرف وكأنهن الياقوت والمرجان؛ فانظر كم بين الخيرة وهي مختارة الله وبين قاصرات الطرف؟ ثم قال: ﴿حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ﴾ [الرحمن: ٧٢] وقال في الأوليين: ﴿فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾ [الرحمن: ٥٦] قصرن طرفهن على الأزواج، ولم يذكر أنهن مقصورات، فدل على أن المقصورات أعلى وأفضل.

وقد بلغنا في الرواية: أن سحابة مطرت من العرش فخلقن من قطرات الرحمة ثم ضرب على كل واحدة خيمة على شاطئ الأنهار، سعتها أربعون ميلا وليس لها باب، حتى إذا حل ولي الله بالخيمة انصدعت الخيمة عن باب، ليعلم ولي الله أن أبصار المخلوقين من الملائكة والخدم لم تأخذها وهي مقصورة قد قصر بها عن أبصار المخلوقين، والله أعلم.

ثم قال: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ اختلف في الرفرف، ما هو؟ فقيل: كسر الخباء وجوانب الدرع وما تدلى منها، الواحدة رفرفة. وقيل: الرفرفة شيء إذا استوى عليه صاحبه رفرف به وأهوى به كالمرجاح يمينا وشمالا، ورفعا وخفضا.

يتلذذ به مع أنيسته، واشتقاقه على هذا من رف يرف إذا ارتفع، ومنه رفة الطائر لتحريكه جناحيه في الهواء وربما سمي الظليم رفرفا بذلك، لأنه يرف بجناحيه ثم يعدو. ورفرف الطائر أيضا؛ إذا حرّك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه.

قال الترمذي الحكيم: فالرفرف أعظم خطرا من العرش.

وذكر في الأوليين: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ﴾ وقال هنا: ﴿مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ﴾ فالرفرف هو مستقر الولي على شيء إذا استوى عليه الولي رفرف به، أي طار به هكذا وهكذا حيث ما يريد كالمرجاح.

وروي لنا في حديث المعراج: «أن رسول الله لما بلغ سدرة المنتهى جاءه الرفرف فتناوله من جبريل وطار به إلى سند العرش، فذكر أنه طار بي يخفضني ويرفعني حتى وقف بي على ربي، ثم لما حان الانصراف تناوله فطار به خفضا ورفعا يهوي به حتى أدله إلى جبريل صلوات الله عليهما، وجبريل يبكي ويرفع صوته بالتحميد».

والرفرف خادم من الخدم بين يديّ الله تعالى له خواص الأمور في محل الدنو والقربة، كما أن البراق دابة يركبها الأنبياء صلوات الله عليهم مخصوصة بذلك في أرضه. فهذا الرفرف الذي سخّره الله لأجل الجنتين الدانيتين هو متكأهما وفرشهما، يرفرف بالولي على حافات تلك الأنهار وشطوطها حيث شاء إلى خيام أزواجه الخيرات الحسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>