للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وهذا أيضا حسن؛ فإنه جمع بين الأحاديث، ويكون معنى قوله لما سئل عن أولاد المشركين فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» يعني: لو بلغوا، بدليل حديث البخاري وغيره مما ذكرناه.

وقد روى يزيد بن أبان، عن أنس قال: سئل رسول الله عن أولاد المشركين، فقال: «لم يكن لهم حسنات فيجزوا بها فيكونوا من ملوك الجنة، ولم يكن لهم سيئات فيعاقبوا عليها فيكونوا من أهل النار، فهم خدم لأهل الجنة» (١).

ذكره يحيى بن سلام في تفسيره، وأبو داود الطيالسي في «مسنده» وأبو نعيم الحافظ أيضا عن يزيد الرقاشي عن أنس قال: سألت رسول الله عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون عليها فيدخلون النار، ولم تكن لهم حسنات يجازون بها فيكونوا ملوك الجنة. فقال النبي : «هم خدم أهل الجنة».

وروى أبو عبد الله الترمذي الحكيم قال: حدثنا أبو طالب الهروي قال:

حدثنا يوسف بن عطية، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله :

«كلّ مولود يولد من ولد كافر أو مسلم فإنما يولدون على الفطرة على الإسلام كلهم، ولكن الشياطين أتتهم فاختالتهم عن دينهم فهوّدتهم ونصّرتهم ومجّستهم وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا» (٢).

وخرّج من حديث عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول الله أنه قال في خطبته: «إن الله أمرني أن أعلّمكم، وقال: إني خلقت عبادي كلهم حنفاء فأتتهم الشياطين فاختالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بي، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم» (٣).

قال أبو عبد الله الترمذي: وهذا بعد الإدراك حين عقلوا أمر الدنيا وتأكدت حجة الله عليهم بما نصب من الآيات الظاهرة من خلق السموات والأرض والشمس والقمر والبر والبحر واختلاف الليل والنهار، فلما غلبت أهواؤهم عليهم أتتهم الشياطين فدعتهم إلى اليهودية والنصرانية بأهوائهم يمينا وشمالا.

قلت: وهذا أيضا يقوّي ما أخذناه من أن أطفال المشركين في الجنة، وحديث عياض بن حمار خرّجه مسلم في صحيحه، وحسبك حسبك.

وللعلماء في الفطرة أقوال قد ذكرناها في كتاب «جامع أحكام القرآن» من سورة الروم، والحمد لله.


(١) أخرجه الطيالسي (٢١١١) بإسناد ضعيف.
(٢) إسناده ضعيف جدا؛ لأجل يوسف بن عطية؛ فهو متروك.
(٣) أخرجه مسلم (٢٨٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>