للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر ابن سنجر - واسمه محمد بن سنجر - قال: حدثنا هوذة، حدثنا عوف، عن حسناء بنت معاوية قالت: حدثني عمّي قال: قلت يا رسول الله! من في الجنة؟ قال: «النبي في الجنة، والمولود في الجنة، والوئيدة في الجنة، والشريد في الجنة» (١).

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : «سألت ربي عن اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم» (٢).

قال أبو عمر: إنما قيل للأطفال اللاهين؛ لأن أعمالهم كاللهو واللعب من غير عقد ولا عزم، من قولهم لهيت في الشيء، أي: لم أعتقده، كقوله: ﴿لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٣].

وقالت طائفة: أولاد المشركين خدم أهل الجنة، وحجتهم ما رواه الحجاج بن نصير، عن مبارك بن فضالة، عن علي بن زيد، عن أنس، عن النبي : أنه قال: «أولاد المشركين خدم أهل الجنة» ذكره أبو عمر (٣).

قلت: وإسناد هذا الحديث ليس بالقوي، لكن يدل على صحّة هذا القول - أعني أنهم في الجنة، أو أنهم خدم أهل الجنة - ما ذكر جماعة من العلماء بالتأويل أن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه في صور الذّر؛ أقروا له بالربوبية، وهو قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا﴾ [الأعراف: ١٧٢] ثم أعادهم في صلب آدم بعد أن أقروا له بأنه لا إله إلا هو، ثم يكتب العبد في بطن أمه شقيّا أو سعيدا على الكتاب الأول، فمن كان في الكتاب الأول شقيا عمّر حتى يجري عليه القلم فينقض الميثاق الذي أخذ عليه في صلب آدم بالشرك ومن كان في الكتاب الأول سعيدا عمّر حتى يجري عليه القلم فيؤمن فيصير سعيدا، ومن مات صغيرا من أولاد المسلمين قبل أن يجري عليه القلم فهم مع آبائهم في الجنة، ومن كان من أولاد المشركين فمات قبل أن يجري عليه القلم فليس يكونون مع آبائهم في النار، لأنهم ماتوا على الميثاق الأول الذي أخذ عليهم في صلب آدم ، ولم ينقضوا الميثاق.


(١) أخرجه أحمد (٥/ ٥٨) وأبو داود (٢٥٢١)، وضعّفه الألباني.
(٢) أخرجه أبو يعلى في «مسنده» برقم (٣٥٧٠) و (٤١٠١ - ٤١٠٢) وابن الأعرابي في «معجمه» (٢/ ٤١٧ - ٤١٨/ ٨١٤) وابن عدي في «الكامل» (٤/ ١٦١٠ و ٦/ ٢٠٤٦) وأبو القاسم البغوي في «مسند علي بن الجعد» رقم (٣٠١٣) وغيرهم.
وحسّنه الألباني بشواهده؛ انظر «الصحيحة» (١٨٨١).
(٣) في «التمهيد» (١٨/ ١١٨) بإسناد ضعيف.
لكن له شواهد أخرى يصحّ بها؛ انظر «الصحيحة» (١٤٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>