للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليست أحاديث الأئمة الفقهاء، وهو أصل عظيم والقطع فيه بمثل هذه الأحاديث ضعيف في العلم والنظر، مع أنه قد عارضها ما هو أقوى مجيبا منها.

ذكر البخاري حديث أبي رجاء العطاردي عن سمرة بن جندب عن النبي الحديث الطويل وفيه قوله : «وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإبراهيم ، وأما الولدان حوله فكل مولود يولد على الفطرة». فقيل:

يا رسول الله؛ وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله : «وأولاد المشركين» (١).

وخرّج البخاري أيضا في رواية أخرى عن أبي رجاء العطاردي: «والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم والصبيان حوله أولاد الناس» (٢). وهذا يقتضي عمومه جميع الناس.

قلت: ذهب إلى هذا الجماعة من العلماء - وهو أصحّ شيء في الباب - قالوا: أولاد المشركين إذا ماتوا صغارا في الجنة، واحتجوا بحديث عائشة؛ ذكره أبو عمر في «التمهيد» قالت: سألت خديجة رسول الله : عن أولاد المشركين فقال: «هم مع آبائهم» ثم سألته بعد ذلك، فقال: «الله أعلم بما كانوا عاملين» ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزلت: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الزمر: ٧] قال:

«هم على الفطرة - أو قال -: هم في الجنة» (٣).

قلت: هذا حديث مرتب في غاية البيان وهو يقضي على ما روي عن النبي في أحاديث صحاح من قوله في الأطفال: «الله أعلم بما كانوا عاملين». فكان ذلك منه قبل أن يعلم أن أولاد المشركين في الجنة، وقبل أن ينزل عليه: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾.

وقد كان أنزل عليه بمكة: ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ﴾ [الأحقاف: ٩] ولم يكشف له عن عاقبة أمرهم وأمر المشركين، ثم أنزل عليه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى﴾ [التوبة: ٣٣] الآية، وأنزل عليه: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ﴾ [الصافات: ١٧١ - ١٧٣] وأنزل عليه: ﴿وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ [الصف: ١٣] فأعلمه بأن الذي يفعل به أن يظهر عليهم.


(١) أخرجه البخاري (٧٠٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (١٣٨٦).
(٣) أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (١٨/ ١١٧)، وضعّف إسناده السيوطي في «البدور السافرة» رقم (١٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>