ولها شروط أربعة (١): الندم بالقلب، وترك المعصية في الحال، والعزم على أن لا يعود إلى مثلها، وأن يكون ذلك حياء من الله تعالى وخوفا منه لا من غيره، فإذا اختل شرط من هذه الشروط لم تصح التوبة. وقد قيل: من شروطها:
الاعتراف بالذنب، وكثرة الاستغفار الذي يحل عقد الإصرار ويثبت معناه في الجنان لا التلفظ باللسان، فأما من قال بلسانه: أستغفر الله وقلبه مصرّ على معصيته؛ فاستغفاره ذلك يحتاج إلى استغفار، وصغيرته لاحقة بالكبائر.
وروي عن الحسن البصري أنه قال: استغفارنا يحتاج إلى استغفار.
قال الشيخ المؤلف ﵀: هذا مقولة في زمانه، فكيف في زماننا هذا الذي يرى فيه الإنسان مكبا على الظلم حريصا عليه لا يقلع، والسبحة في يده، زاعما أنه يستغفر من ذنبه، وذلك استهزاء منه واستخفاف، وهو ممن اتخذ آيات الله هزوا، وفي التنزيل: ﴿وَلا تَتَّخِذُوا آياتِ اللهِ هُزُواً﴾ [البقرة: ٢٣١].
وروي عن علي ﵁ أنه رأى رجلا قد فرغ من صلاته وقال: اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك، سريعا - فقال له: يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذّابين، وتوبتك تحتاج إلى توبة. قال يا أمير المؤمنين: وما التوبة؟ قال:
اسم يقع على ستّة معان: على الماضي من الذنوب، والندامة ولتضييع الفرائض الإعادة، ورد المظالم إلى أهلها، وإذءاب النفس في الطاعة كما أذأبتها في المعصية، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية، وأن تزين نفسك في طاعة الله كما زينتها في معصية الله، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.
وقال أبو بكر الورّاق: التوبة أن تكون نصوحا، وهو أن تضيق عليك الأرض بما رحبت، وتضيق عليك نفسك كالثلاثة الذين خلّفوا وهم كعب بن مالك ومرارة ابن الربيع وهلال بن أمية.
وقيل: التوبة النصوح هي: رد المظالم واستحلال الخصوم وإدمان الطاعات.
وقيل غير هذا.
وبالجملة فالذنوب التي يتاب منها إما كفر أو غيره، فتوبة الكافر إيمانه مع ندمه على سالف من كفره، وليس مجرد الإيمان نفس التوبة. وغير الكفر؛ إما حق لله تعالى وإما حق لغيره. فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك، غير أن منها ما لم يكتف
(١) انظر في ذلك: «حادي الروح إلى أحكام التوبة النصوح» للشيخ المفضال سليم بن عيد الهلالي، نشر: دار ابن عفان.