للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: قتله الموت الأسود (١) يقال له أيضا الدم الأسود، من طغاة مصر. فقطع يده، فقال عثمان: أما والله إنها لأول كفّ خطّت في المصحف.

وهذه البلوى التي ثبتت في الصحيح، عن أبي موسى أن النبي دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط، فجاء رجل يستأذن فقال: «ائذن له وبشّره بالجنة» فإذا أبو بكر، ثم جاء يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة» فإذا عمر، ثم جاء آخر يستأذن، فسكت هنيهة ثم قال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه» فإذا عثمان بن عفان (٢). لفظ البخاري، ذكره في مناقب عثمان.

وقد قيل: إن الصحيح في مقتله أنه لم يتعين له قاتل معين، بل أخلاط الناس وهم رعاع جاءوا من مصر ومن غير قطر. وجاء الناس إلى عثمان فيهم عبد الله بن عمر متقلدا سيفه وزيد بن ثابت، فقال له زيد بن ثابت: إن الأنصار بالباب يقولون إن شئت كنا أنصار الله مرتين. قال: لا حاجة لي في ذلك، كفّوا (٣). وكان معه في الدار الحسن والحسين وابن عمر وعبد الله بن الزبير وأبو هريرة وعبد الله بن عامر بن ربيعة ومروان بن الحكم كلهم يحملون السلاح، فعزم عليهم في وضع أسلحتهم وخروجهم ولزوم بيوتهم، فقال له الزبير ومروان: نحن نعزم على أنفسنا أن لا نبرح، فضاق عثمان من الحصار ومنع من الماء حتى أفطر على ماء البحر المالح.

قال الزبير بن بكار: حاصروه شهرين وعشرين يوما وقال الواقدي: حاصروه تسعة وأربعين يوما، ففتح الباب فخرج الناس وسلّموا له راية في إسلام نفسه. قال سليط بن أبي سليط: فنهانا الإمام عثمان عن قتالهم، ولو أذن لنا لضربناهم حتى نخرجهم من أقطارنا، ودخلوا عليه في أصح الأقوال، وقتله من شاء الله من سفلة الرجال.

وروى أبو عمر بن عبد البر عن عائشة قالت: قال رسول الله : «ادعوا لي بعض أصحابي». فقلت: أبو بكر؟ قال: لا. فقلت: عمر؟ فقال: لا. فقلت ابن عمك؟ قال: لا. فقلت له: عثمان؟ قال: نعم. فلما جاءه، قال لي بيده، فتنحّيت، فجعل رسول الله يسارّه ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر عثمان، قيل له: ألا نقاتل عنك؟ قال: لا؛ إن رسول الله


(١) انظر «المصادر السابقة».
ولعل قاتله رجل واحد ولكن له ألقاب متعدّدة.
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٩٥) ومسلم (٢٤٠٣).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٨/ ٦٨٢) - دار الفكر - وخليفة في «تاريخه» (١/ ١٨٧). بإسناد صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>