وحمل عائشة ﵂ على جمل أذب - ويقال: أذب لكثرة وبره - اشتراه ابن أمية الحنظلي بمائتي دينار، قاله ابن عبد البر في «الاستيعاب» وقال ابن شبة في كتاب «الجمل» له: اشتراه بثمانين دينارا، والأول أصح واسمه عسكر.
وذكر ابن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم، عن أبيه، قال: كان عبد الله بن أبي ربيعة عاملا لعثمان على صنعاء فلما بلغه خبر عثمان أقبل سريعا لينصره فلقيه صفوان بن أمية، وصفوان على فرس وعبد الله بن أبي ربيعة على بغلة، فدنا منها الفرس فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة فكسرت فخذه، فقدم مكة بعد الضرر، وعائشة بمكة يومئذ تدعو إلى الخروج تطلب دم عثمان، فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد ثم حمل فوضع على سريره، فقال: أيها الناس؛ من خرج في طلب دم عثمان فعليّ جهازه. قال: فجهز ناسا كثيرا وحملهم ولم يستطع الخروج إلى الجمل لما كان برجله.
أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدّثني محمد بن عبد الله بن عبيد، عن أبي مليكة، عن عبد الله بن أبي السائب قال: رأيت عبد الله بن أبي ربيعة على سرير في المسجد الحرام يحضّ الناس على الخروج في طلب دم عثمان ويحمل من جاء. انتهى كلام ابن سعد في «الطبقات»، ولا تعارض والحمد لله، فإنه يحتمل أن يكون خرجا جميعا في نصرة عثمان فكسرا أو اجتمعا بمكة وجعلا يجهزان من يخرج، والله أعلم.
وكانت عائشة ﵂ حاجّة في السنة التي قتل فيها عثمان وكانت مهاجرة له، فاجتمع طلحة والزبير ويعلى وقالوا لها بمكة: عسى أن تخرجي رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم ويرعوا نبيهم، وهي تمتنع عليهم، فاحتجوا عليها بقوله تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ﴾ [النساء: ١١٤] وقالوا لها: إن المتألبين على عثمان بالبصرة كثير، فبلغت الأقضية مقاديرها، فاصطف الناس للقتال ورموا عليّا وأصحابه بالنبال، فقال علي: لا ترموا بسهم ولا تضربوا بسيف ولا تطعنوا برمح، فرمى رجل من عسكر القوم بسهم فقتل رجلا من أصحاب علي فأتي به إلى علي، فقال: اللهم اشهد ثم رمي آخر فقتل رجلا من أصحاب علي، فقال علي: اللهم اشهد، ثم رمي آخر فقال علي: اللهم اشهد، وقد كان عليّ نادى الزبير: يا أبا عبد الله ادن إليّ أذكّرك كلاما سمعته أنا وأنت من رسول الله ﷺ، فقال: عليّ الأمان. فقال عليّ: الأمان، فبرز فأذكره أن رسول الله ﷺ قال له، وقد وجدهما يضحكان بعضهما إلى بعض:«أما أنك ستقاتل عليّا وأنت له ظالم». فقال الزبير: اللهم إني ما ذكرت هذا إلا في هذه الساعة وثنى