للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابن جريج عن النبي أنه قال لعائشة: في تفسير قوله تعالى: ﴿حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩]؛ إذا عاين المؤمن الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا، فيقول: إلى دار الهموم والأحزان؟ ويقول: قدما إلى الله ﷿، وأما الكافر فيقولون: نرجعك إلى الدنيا؟ فيقول: ﴿اِرْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً﴾ [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠] الآية (١).

وأما قوله في الحديث: «حتى ينتهي إلى السماء التي فيها الله تعالى» فالمعنى أمر الله وحكمه (٢) وهي السماء السابعة التي عندها سدرة المنتهى، التي إليها يصعد ما يعرج به من الأرض، ومنها يهبط ما ينزل به منها - كذا في صحيح مسلم من حديث الإسراء.

وفي حديث البراء أنه ينتهي به إلى السماء السابعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

وقد كنت تكلّمت مع بعض أصحابنا القضاة ممن له علم ونظر بالفقه، ومعنا جماعة من أهل النظر، فيما ذكر أبو عمر بن عبد البر من قوله: ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اِسْتَوى﴾ [طه: ٥] فذكرت له هذا الحديث، فما كان منه إلا أن بادر إلى عدم صحّته، ولعن رواته! وبين أيدينا رطب نأكله، فقلت له: الحديث صحيح، خرّجه ابن ماجه في «السنن»، ولا تردّ الأخبار بمثل هذا القول، بل تتأول وتحمل على ما يليق من التأويل (٣)، والذين رووها هم الذين رووا لنا الصلوات الخمس وأحكامها؛ فإن صدقوا هنا صدقوا هناك، وإن كذبوا هنا كذبوا هناك، ولا تحصل الثقة بأحد منهم فيما يرويه.


(١) أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (١٨/ ٤٠) مرسلا.
(٢) أوّل القرطبي هنا لفظ الحديث، والقرطبي أشعري، وهو يسير على طريقتهم في تأويل الصفات؛ عفا الله عنه، وسترى ذلك في أكثر من موضع في هذا الكتاب، وعقيدة أهل السنة والجماعة؛ أهل الحديث عدم تأويل الألفاظ، والأخذ بظواهرها، وهذا تجده مفصلا في كتب العقيدة، وخاصة ما يتعلق منها بالأسماء والصفات، وانظر «علو الله على خلقه» للشيخ أسامة القصاص رحمه الله تعالى. والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
(٣) بل ليسعنا ما وسع السلف الصالح من أهل القرون الأولى ومن بعدهم، ولنمرّها كما جاءت دون تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه، كما قال الأوزاعي ومالك وابن المبارك، وقبلهم أصحاب النبي ، فلا نعمل العقل والذهن القاصر عن تصوّر الغيبيات، فضلا عن عجزه لعلم ماهيتها، فكيف نترك لعقولنا العنان لكي تتفكّر في هذه الأخبار، فإن قبلتها عقولنا قبلناها، وإلا كانت الأخرى فنردّها، وهذا حال الحيران الذي أسلم نفسه لعقله وهواه، فيا عبد الله كن وقّافا على النصوص، وقف حيث وقف القوم، والله الموفق.
وأقول تعقيبا على كلام القرطبي : إن الذين رووا هذه الأخبار، أخذوا بظواهرها ولم يؤوّلوها، وكذا الأئمة الذين نقلوها، فلنكن على هديهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>