للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خرّج البزار في «مسنده» من حديث أبي هريرة عن النبي قال: «إن المؤمن إذا احتضر أتته الملائكة بحريرة فيها مسك وضبائر ريحان، فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين ويقال: ﴿يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * اِرْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً﴾ [الفجر: ٢٧، ٢٨] مرضيا عنك إلى روح الله وكرامته، فإذا خرجت روحه وضعت على ذلك المسك والريحان، وطويت عليها الحريرة وذهب بها إلى عليين.

وإن الكافر إذا احتضر أتته الملائكة بمسح فيه جمرة، فتنزع روحه انتزاعا شديدا ويقال:

أيتها النفس الخبيثة أخرجي ساخطة مسخوطا عليك، إلى هوان الله وعذابه، فإذا خرجت روحه وضعت على تلك الجمرة، ويطوى عليها المسح، ويذهب بها إلى سجّين» (١).

قال الشيخ المؤلف : فقوله في روح المؤمن: «يذهب بها إلى عليين» هو معنى ما جاء في حديث أبي هريرة المتقدم إلى السماء التي فيها الله، والأحاديث يفسر بعضها بعضا ولا إشكال.

وذكرته عند بعض من يتّسم بالعلم والفقه والقضاء، فلم يكن منه إلا أن بادر بلعن من رواه ونقله!! فظنّ منه التجسيم، فقلت له: الحديث صحيح، والذين رووه هم الذين جاءوا بالصلوات الخمس وغيرها من أمور الدين، فإن كذبوا هنا كذبوا هنالك، وإن صدقوا هنا صدقوا هنالك. والتأويل مزيل ما توهمته، وكان في ذلك كلام. وحضره جماعة من أهل الفقه والنظر، فذكرت له ما ذكرناه، وذكرت له حديث التنزيل وقوله تعالى: ﴿الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اِسْتَوى﴾ [طه: ٥] وما تأوله العلماء في ذلك، وسيأتي من ذلك في هذا الكتاب ما فيه كفاية لمن اهتدى والحمد لله.

وأما قوله في حديث محمد بن كعب، أول الباب: «إذا استنقعت نفس المؤمن»، فقال شمر: لا أعرفه، وسمعت الزهريّ يقول: يعني إذا اجتمعت في فيه حين تريد أن تخرج كما يستنقع الماء في قراره، والنفس الروح هاهنا، حكاه الهروي (٢).

***


(١) أخرجه النسائي (٤/ ٨ - ٩) وابن حبان (٢٨٤/ ٣٠١٤/٧) والحاكم (١/ ٣٥٢ - ٣٥٣)، وصححه الألباني في «الصحيحة» (١٣٠٩).
(٢) انظر: «النهاية في غريب الحديث والأثر» (٥/ ٩٤) و «الغريبين في القرآن والحديث» للهروي (١٨٨١/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>