وقالت صفية بنت عبد المطلب في أبيات ترثي بها النبي ﷺ:
لعمرك ما أبكي النبيّ لفقده … ولكن ما أخشى من الهرج آتيا
وبموت عمر سلّ سيف الفتنة وقتل عثمان، وكان من قضاء الله وقدره ما يكون، وكان على ما تقدم.
وقوله:«حتى يبعث دجالون كذّابون قريب من ثلاثين»، الدجال: يطلق في اللغة على أوجه كثيرة يأتي ذكرها. أحدها الكذاب، كما جاء في هذا الحديث. وفي صحيح مسلم:«يكون في آخر الزمان دجالون كذابون» الحديث، ولا يجمع ما كان على فعال جمع التكسير عند الجماهير من النحويين لئلاّ يذهب بناء المبالغة منه، فلا يقال: إلا دجالون كما قال ﵊، وإن كان قد جاء مكسرا وهو شاذ، أنشد سيبويه لابن مقبل:
إلا الإفادة فاستولت ركائبنا … عند الجبابير بالبأساء والنقم
وقال مالك بن أنس في محمد بن إسحاق: إنما هو دجال من الدجاجلة، نحن أخرجناه من المدينة. قال عبد الله بن إدريس الأودي: وما عرفت أن دجالا يجمع على دجاجلة حتى سمعتها من مالك بن أنس.
وقوله:«قريب من ثلاثين» قد جاء عددهم معينا في حديث حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ: «تكون في أمتي دجالون كذابون سبعة وعشرون، منهم أربع نسوة، وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي»(١). خرجه أبو نعيم الحافظ، وقال: هذا حديث غريب تفرد به معاوية بن هشام، ووجد في كتابه بخط أبيه حدث به أحمد بن حنبل عن علي ابن المديني.
وقال القاضي عياض: هذا الحديث قد ظهر، فلو عدّ من تنبأ من زمن النبي ﷺ إلى الآن ممن اشتهر بذلك وعرف، واتبعه جماعة على ضلالته؛ لوجد هذا العدد فيهم، ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ عرف صحة هذا.
وقوله:«حتى يقبض العلم» فقد قبض العمل به ولم يبق إلا رسمه على ما يأتي بيانه. وقوله:«وتكثر الزلازل» فقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي أنه وقع منها بعراق العجم كثير، وقد شاهدنا بعضها بالأندلس، وسيأتي.
(١) أخرجه أحمد (٥/ ٣٩٦) وأبو نعيم (٤/ ١٧٩) وصححه الألباني في «الصحيحة» (١٩٩٩).