وقوله:«ويتقارب الزمان» قيل: المعنى يتقارب أحوال أهله في قلة الدين، حتى لا يكون فيهم من يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر، كما هو اليوم لغلبة الفسق وظهور أهله. وفي الحديث:«لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا، فإذا تساووا هلكوا». يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف الله ﷿ يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم وآثارهم وقيل غير هذا، حسب ما تقدم في باب لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه.
وقوله:«حتى يكثر فيكم المال فيفيض وحتى يهم رب المال من يقبل صدقته» هذا مما لم يقع، بل يكون، على ما يأتي وربّ مفعول يهم، ومن يقبل فاعل يهم، يقال: أهمّني ذلك الأمر: أحزنني وأقلقني، وهمه يهمه؛ إذا بالغ في ذلك.
وقوله:«حتى يتطاول الناس في البنيان» هذا مشاهد في الوجود مشاهدته تغني عن الكلام فيه.
وقوله:«حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه» ذلك لما يرى من عظيم البلاء، وربح الأعداء، وغبن الأولياء، ورئاسة الجهلاء، وحمول العلماء، واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم والجهر بالمعاصي، واستيلاء الحرام على أموال الخلق، والتحكم في الأبدان والأموال والأعراض بغير حق، كما في هذا الزمان، وقد تقدم أول الكتاب حديث أبي عيسى الغفاري عن النبي ﷺ:
«بادروا بالأعمال ستا». الحديث.
وروى الأعمش سليمان بن مهران، عن عمرو بن مرة، عن أبي نضرة، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر ﵁: يوشك أن يأتي على الناس زمان يغبط فيه خفيف الحاذ كما يغبط اليوم أبو عشرة، ويغبط الرجل باختفائه عن السلطان وجفائه عنه كما يغبط اليوم بمعرفته إياه وكرامته عليه، وحتى تمر الجنازة في السوق على الجماعة فينظر إليها الرجل تهتز بهذا رأسه، فيقول: يا ليتني مكان هذا. قال:
قلت: يا أبا ذر؛ وإن ذلك من أمر عظيم؟ قال: أجل يا ابن أخي؛ عظيم عظيم.
قلت: هذا هو ذلك الزمان الذي قد استولى فيه الباطل على الحق، وتغلّب فيه العبيد على الأحرار من الخلق، فباعوا الأحكام ورضي بذلك منهم الحكام، فصار الحكم مكسا والحق عكسا، لا يوصل إليه ولا يقدر عليه، بدّلوا دين الله وغيروا حكم الله، ﴿سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ﴾ و ﴿الظّالِمُونَ﴾ و ﴿الْفاسِقُونَ﴾ في الكفار خاصة كلها، وقيل: عامة فيمن بدل حكم الله وغيّره. قال رسول الله ﷺ: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو