من المفسرين المتأخرين إن الدابة إنما هي إنسان متكلم يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا، فيهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بينة.
قال شيخنا أبو العباس: وعلى هذا لا يكون فيها آية خاصة خارقة للعادة، ولا يكون من جملة العشر آيات المذكورة في الحديث، لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة فلا ينبغي أن يذكر مع العشر.
قلت: فساد ما قاله هذا المتأخر واضح، وأقوال المفسرين بخلافه.
وروي من حديث هشام بن يوسف القاضي أبي عبد الرحمن الصنعاني، عن رباح بن عبيد الله بن عمر، عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «بئس الشعب أجياد» قالوا: وفيم ذلك يا رسول الله؟ قال:«تخرج منه الدابة فتصرخ ثلاث صرخات فيسمعها من بين الخافقين»(١). لم يتابع رباح على هذا، أخرج الحديث أبو أحمد بن عدي الجرجاني ﵀.
وعن عمرو بن العاص قال: تخرج الدابة من مكة من شجرة وذلك في أيام الحج فيبلغ رأسها السحاب وما خرجت رجلاها بعد من التراب. ذكره القتبي في «عيون الأخبار» له.
وأصح أقوال المفسرين بخلاف ما قال، وأنها خلق عظيم يخرج من صدع من الصفا لا يفوتها أحد، فتسم المؤمن فينير وجهه وتكتب بين عينيه: مؤمن، وتسم الكافر فيسودّ وجهه وتكتب بين عينيه: كافر.
وقال عبد الله بن عمر: تخرج الدابة من جبل الصفا بمكة ينصدع فتخرج منه، وقال عبد الله بن عمرو نحوه، وقال لو شئت أن أضع قدمي على موضع خروجها لفعلت، وروى عن قتادة أنها تخرج من تهامة.
وروي أنها تخرج من مسجد الكوفة من حيث فار تنور نوح.
وقيل: من أرض الطائف. وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين، وهي في السحاب وقوائمها في الأرض.
وروي عن ابن الزبير: أنها جمعت من خلق كل حيوان، فرأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن أيّل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصل ومفصل اثنا عشر ذراعا. ذكره الثعلبي والماوردي وغيرهما.
(١) حديث ضعيف؛ انظر «المجمع» (٨/ ٧) و «ضعيف الجامع» (٢٣٥١).