للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح» (١). الحديث خرجه مسلم وغيره.

قوله: يجمع خلقه في بطن أمه؛ قد جاء مفسرا عن ابن مسعود رواه الأعمش عن خيثمة. قال: قال عبد الله: «إن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله سبحانه أن يخلق منها بشرا؛ طارت في بشر المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تنزل دما في الرحم، فذلك جمعها» (٢).

وفي «صحيح مسلم» أيضا: عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال:

سمعت رسول الله يقول: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصوّرها، وخلق سمعها وبصرها وشعرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم يقول: أي ربّ أذكر أم أنثى؟» (٣)، وذكر الحديث. وما قبله يفسره ويبينه، لأن النطفة لا يبعث الملك إليها إلا بتمام ثنتين وأربعين ليلة فتأمله.

ونسبة الخلق والتصوير للملك؛ نسبة مجازية لا حقيقية، وإنما صدر عنه فعل ما في المضغة كان عنه التصوير والتشكيل بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه. ألا تراه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية وقطع عنها نسب جميع الخليقة.

فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ [الأعراف: ١١] إلى غير ذلك من الآيات، مع ما دلت عليه قاطعات البراهين، إذ لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين. وهكذا القول في قوله: «ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح»» أي: أن النفخ فيه سبب يخلق الله فيه الروح والحياة. وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة، فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره، فتأمل ذلك. هذا هو الأصل، وتمسك به، ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلال والقائلين بالطبائع وغيرهم. وأن الله هو القابض لأرواح جميع الخلق على الصحيح، وأن ملك الموت وأعوانه وسائط. وقد سئل مالك بن أنس عن البراغيث أملك الموت يقبض أرواحها؟ فأطرق مليا ثم قال: ألها نفس؟ قال نعم. قال: ملك الموت يقبض أرواحها: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها﴾ [الزمر: ٤٢].

وفي الخبر: أن ملك الموت وملك الحياة تناظرا فقال ملك الموت: أنا أميت


(١) أخرجه البخاري (٣٢٠٨) ومسلم (٢٦٤٣).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (٣/ ٣٢١) قال: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: قال عبد الله بن مسعود: فذكره.
وإسناده ضعيف لانقطاعه بين خيثمة وعبد الله بن مسعود.
(٣) أخرجه مسلم (٢٦٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>