للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنام، قال لها: فما سبب أمرك؟ قالت: مرّ بمقبرتنا رجل فصلى على النبيّ ، وكان في المقبرة خمسمائة وستون إنسانا في العذاب؛ فنودي: ارفعوا العذاب عنهم ببركة صلاة هذا الرجل على النبي !!

وقال بعضهم: مات أخ لي فرأيته في المنام فقلت: ما كان حالك حين وضعت في قبرك؟ قال: أتاني آت بشهاب من نار، فلولا أنّ داعيا دعا لي لرأيت أنه سيضربني به. والحكايات عن الصالحين بهذا المعنى كثيرة، ذكرها أبو محمد عبد الحق في كتاب «العاقبة» له.

وقد ذكر في هذا المعنى أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتاب «عيون الأخبار» له حكاية فيها طول، رأينا ذكرها لاشتمالها على وعظ وتذكير وتخويف وتحذير وتضرع وابتهال، ودعاء بالموت والانتقال.

روي عن الحارث بن نبهان أنه قال: كنت أخرج إلى الجبّانات فأترحّم على أهل القبور، وأتفكر وأعتبر، وأنظر إليهم سكوتا لا يتكلمون، وجيرانا لا يتزاورون، وقد صار لهم من بطن الأرض وطاء، ومن ظهرها غطاء، وأنادي:

يا أهل القبور! محيّت من الدنيا آثاركم، وما محيّت عنكم أوزاركم، وسكنتم دار البلاء فتورمت أقدامكم، قال: ثم يبكي بكاء شديدا، ثم يميل إلى قبة فيها قبر فينام في ظلها.

قال: فبينما أنا نائم إلى جانب القبر؛ إذ أنا بحس مقمعة يضرب بها صاحب القبر، وأنا أنظر إليه والسلسلة في عنقه، وقد ازرقّت عيناه، واسودّ وجهه، وهو يقول: يا ويلي ماذا حل بي، لو رآني أهل الدنيا ما ركبوا معاصي الله أبدا، طولبت والله باللذات؛ فأوبقتني، وبالخطايا فأغرقتني، فهل من شافع لي أو مخبر أهلي بأمري؟!

قال الحارث: فاستيقظت مرعوبا، وكاد أن يخرج قلبي من هول ما رأيت، فمضيت إلى داري، وبتّ ليلتي وأنا متفكّر فيما رأيت، فلما أصبحت قلت: دعني أعود إلى الموضع الذي كنت فيه، لعلي أجد به أحدا من زوّار القبور فأعلمه بالذي رأيت، قال: فمضيت إلى المكان الذي كنت فيه بالأمس، فلم أر أحدا، فأخذني النوم فنمت، فإذا أنا بصاحب القبر وهو يسحب على وجهه ويقول: يا ويلتاه ماذا حل بي، ساء في الدنيا عملي، وطال فيها أجلي، حتى غضب عليّ ربّ الأرباب، فالويل لي إن لم يرحمني ربي.

قال الحارث: فاستيقظت وقد تولّه عقلي بما رأيت وسمعت، فمشيت إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>