للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فذكر لهم ذلك (١). وفي هذا بيان أن معرفة من هو الحليس من قِبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنه من قوم يعظمون العبادة كان له الأثر في التأثير عليه، وذلك كان على مرأى من الصحابة فكان درساً لهم وتعليماً لدعاتهم.

ومعرفة المدعو تفتح أبواب التعامل معه، وتوضح طرق إقناعه والتأثير عليه؛ لأن في ذلك سبراً لشخصيته، والداعية يجب عليه ذلك؛ حتى لا يخسر هذا المدعو، بل أيضاً لا يجعله عدواً للدعوة في أسوأ الاحتمالات.

إن المدعوين بشكل عام لا يتشابهون بل يختلفون في أمور كثيرة، فمثلاً هناك الاختلاف العقدي كالفرق بين المشركين وأهل الكتاب، وبين أهل الكتاب أنفسهم، والفرق بين الأعراق كالفرق بين العرب والفرس والروم والزنج وغيرهم، والفرق بين القبائل العربية من حيث العادات والتقاليد، بل حتى الفرق بين أفراد القبيلة الواحدة، ومن ذلك ما دللنا عليه سابقاً فيما حصل في الحديبية مع الحليس بن علقمة وتعظيمه للهدي، وأن غيره من قومه لا يعظمون الهدي.

فتجهيز الداعية قبل الدعوة بالمعرفة التامة الوافية بالمدعو فيه إعداد سليم لذلك الداعية وتحصين له، ومن ذلك حديث معاذ - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض ... (، فقد أخبره - صلى الله عليه وسلم - بمن سيدعو حتى يعلم كيف يدعوهم ومتى يدعوهم. ففي هذا


(١) انظر: السيرة النبوية، ابن هشام، ٢/ ٢٦٦ - ٢٦٧.

<<  <   >  >>