للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان منهج الصحابة في الدعوة منهج علم وتعلُّم، ولم يكن منهج جهل وتخلُّف، فقد حصَّنوا أنفسهم بما تعلَّموه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من علم، وقاموا بالدعوة، ولديهم ما يتسلَّحون به، ويردُّون به عن دين الله؛ فكان حرياً بمن اتبعهم أن يتبع منهجهم - رضي الله عنهم -.

[الفائدة الخامسة: المثابرة على الدعوة والصبر عليها وعدم استعجال النتائج]

إن المثابرة والإصرار من سمات الشخص الناجح الذي يسعى لأن يصل إلى هدفه، وهذه السمة من الأولى أن تتوفر في الداعية؛ لأن عمله من أشرف الأعمال وأفضلها، وهدفه من أسمى الأهداف وأرقاها، وهو دليل على الإخلاص من قبل الدعاة، ولأن طريق الدعوة محفوف بالعقبات والعوائق فإنه مطلوب من الداعية عدم الاستسلام، ولنا في ذلك قدوة ألا وهم الأنبياء - عليهم السلام -، فهم سادة الدعوة وأئمتها، فقد دعا نوح - عليه السلام - قومه تسعمائة وخمسين عاماً، ولم يؤمن معه إلا قليل، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (١)، وقال تعالى: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} (٢). فلم يكن قلة من استجاب له سبباً في تخليه عن الدعوة وتركه لها، بل استمر كل هذه المدة يدعو مع ما يلقى من صد واستهزاء وتعذيب له ولمن معه، ولم يستسلم. وقد ثابر الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الدعوة ولم يتوان ولم يتهاون حتى نشر الله الإسلام على يديه - صلى الله عليه وسلم -، ويدي أصحابه - رضي الله عنهم -، الذين ساروا على سيرته وهديه؛ فقد ثابر الطفيل بن عمرو الدوسي على دعوة قومه دوس، وقد تأخروا في الإسلام إلا أن


(١) سورة العنكبوت، الآية: ١٤.
(٢) سورة هود، الآية: ٤٠.

<<  <   >  >>