للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغيرهم، فالرحمة موضوع متداخل مع كثير من المواقف والحوادث الدعوية.

[٣ - العفو في دعوة الصحابة - رضي الله عنهم -]

العفو لا يكون إلا من قادر؛ فلا يعفو من لا يقدر، والله - سبحانه وتعالى - هو العفو الغفور الذي يعفو عن خلقه، وقد جعل هذه الصفة خُلقاً يتخلق بها عباده، والعفو "هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه" (١).

وقد أمر الله بالعفو وجعل له أجراً عظيماً، فقال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (٢)، يقول الشيخ السعدي في هذه الآية: "جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه فليعف عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل" (٣).

وقد عفا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن كثير ممن أساؤوا له، ولم يحاسبهم على عملهم فيه، ومن ذلك ما فعله مع مشركي قريش يوم الفتح عندما عفا عنهم، كما عفا عَمَّن تخلَّفوا عن غزوة تبوك من المنافقين، فالعفو من خلقه - صلى الله عليه وسلم - وتخلَّق به أصحابه - رضي الله عنهم -. فهذا علي - رضي الله عنه - عندما أرسله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسرية إلى اليمن عندما لقي جمعاً دعاهم إلى الإسلام إلا أنهم أبوا ورموا أصحابه فحمل عليهم فانهزموا وتفرقوا وتركوا لواءهم قائماً، فكف عن طلبهم ودعاهم إلى الإسلام مرة أخرى


(١) لسان العرب، ابن منظور، مادة: عفا، ١٥/ ٧٢.
(٢) سورة الشورى، الآية: ٤٠.
(٣) تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٨٩٦.

<<  <   >  >>