للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال - صلى الله عليه وسلم -: "ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء" (١)، وقد رغَّب في الرحمة فجعل لها فضلاً كبيراً، كيف ونبي هذه الأمة هو نبي الرحمة، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (٢)، فأمر أصحابه بالرحمة بالعباد كما أمرهم برحمة البهائم وذلك في مواقف متعددة، ولا يوجد دين يأمر أتباعه بالرحمة ويحثهم عليها ويرغِّبهم بالتخلق بها والتعامل بينهم على أساسها كما وجد في الإسلام، كما حذر من القسوة وعدم الرحمة بجميع المخلوقات بشراً كانوا أو من البهائم، مؤمنين أو كفاراً، فنهى عن التمثيل والضرب والتعذيب والترويع.

وقد حرص صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن يجعلوا للرحمة موضعاً في دعوتهم سواء بالدعوة إليها أو الدعوة بها والتحلي بها، فقد رحم أبو ذر - رضي الله عنه - حويطب بن عبدالعزى وأظهر له الرحمة في إجارته وإجارة أبنائه يوم فتح مكة وأمَّنهم حتى اجتمعوا؛ مما كان له أثر في إسلام حويطب - رضي الله عنه -، وكذلك رحمة الحارث بن مسلم التميمي للقوم الذين كادوا أن يكونوا غنيمة له ولأصحابه إلا أنه دعاهم إلى "لا إله إلا الله" لكي يعصموا دماءهم ويدخلوا في الإسلام ولا يراق لهم دم ففعلوا ونجوا من القتل والسبي في الدنيا ومن عذاب النار في الآخرة.

ولو تتبعنا قصص الصحابة لوجدناها تزخر بمواضيع الرحمة وما يتعلق بها من رحمة الأب بابنه والابن بوالده والقريب بقريبه والصديق بصديقه والمسلم بالمشرك


(١) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة، رقم ٤٩٤١، ص ٦٩٦. حديث صحيح (الألباني، صحيح سنن أبي داود، رقم ٤٩٤١، ٣/ ٢١٢).
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.

<<  <   >  >>