للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو يعرف عنه، إنما أراد أن يظهر له الحق دون المواجهة أو المصادمة التي قد تؤدي إلى عكس ما يهدف إليه معاذ - رضي الله عنه -، وخصوصاً أن عمرو بن الجموح رجل كبير في السن، ومن عادة كبار السن عدم قبول نصيحة من هم أصغر منهم، فكيف أبناؤهم؟ وذلك ما جعل معاذ بن عمرو يخفي نفسه وما عمل عن والده حتى يهتدي هو بنفسه، دون أن يظهر نزوله عند رأي شباب الأنصار، وكان لهم ذلك فأسلم - رضي الله عنه - بعد أن أحكم عقله ورجع إلى رشده.

[ب) التواصل في دعوة الوالدين وعدم قطيعتهما حتى وإن لم يؤمنا]

أوصى الله - سبحانه وتعالى - المؤمنين بوالديهم حُسْناً، وعدم القطع بهما، ومصاحبتهما حتى وإن كانا مشركين، قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} (١)، وقد استمر الصحابة في التواصل مع آبائهم وعدم اعتزالهم، فهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يسكن مع والده في بيت واحد، ويخدمه أبناؤه، وهو لم يسلم إلا في فتح مكة (٢). وهذا مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يدعو أمه إلى الإسلام ويصلها ويزورها مع ما حصل منها معه من حبس ومنع وأذية، إلا أنه صاحبها في الدنيا معروفاً، كما أمر الله سبحانه، بل إنه لم ييأس من ذلك. وكذلك فعل أبو هريرة - رضي الله عنه - مع والدته، حيث أحضرها معه إلى المدينة، عندما هاجر وهي مشركة، وكان يدعوها وتأبى


(١) سورة لقمان، الآية: ١٥.
(٢) انظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد، ٥/ ٤٥١.

<<  <   >  >>