وفي هذا توافق بين دعوة الصحابة وما ورد في القرآن الكريم من قصص وتعاليم اقتفوها وعملوا على ضوئها.
[جـ) الشاهد الثالث: حكمة الصحابة - رضي الله عنهم - في دعوتهم]
قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(١)، إن الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن أصل من أصول الدعوة التي أمر الله بها في الآية السابقة، وقد طبق هذا في دعوة المشركين كثير من الصحابة؛ ففي دعوة مصعب بن عمير لسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير - رضي الله عنهما - مثال لما أمر الله به في الآية، ذكر ابن هشام في "السيرة": أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير في المدينة يدعو الناس إلى الإسلام فجلسا إلى حائط لبني ظفر واجتمع إليهم رجال ممن أسلم، وسمع بهم سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير وهما سيدا قومهما بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه، فأرسل سعد بن معاذ أسيداً إليهم، فلما رأوه قادماً إليهم قال أسعد لمصعب: إن هذا سيد قومه فاصدق الله فيه، فوقف أسيد متشتماً فقال له مصعب: أو تجلس فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته وإن كرهته كف عنك ما تكره، قال: أنصفت، ثم ركز حربته وجلس فكلمه مصعب بالإسلام وقرأ عليه القرآن فقالا: والله لقد عرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم في إشراقه وتهلله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله، ثم اغتسل وأسلم وصلى ركعتين ثم قال: إن ورائي رجلاً