فوجوب الدعوة على الداعية يجعلها من حق المدعو سواء قبلها أم رفضها، فهذا أبو عامر - رضي الله عنه - يوم أوطاس لقي عشرة إخوة من المشركين فحملوا عليه واحداً تلو الآخر، وحمل عليهم فكان يدعو من يقاتله منهم ويؤدي حقه له قبل أن يقاتله، فكان كلما دعا أحدهم إلى الإسلام ولم يستجب يقول: اللهم اشهد عليه، حتى قتل تسعة منهم، أما العاشر فعندما قال أبو عامر: اللهم اشهد عليه، قال الرجل: اللهم لا تشهد عليَّ، فكف عنه أبو عامر، فأفلت وأسلم وحسن إسلامه، وقد أدَّى أبو عامر - رضي الله عنه - حق المدعوين حتى أنجى الله بسببه أحدهم.
وكذلك علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يوم الخندق عندما أدَّى حق عمرو بن عبد وِدٍّ وذلك في دعوته إلى الإسلام قبل قتاله. فهذا هو منهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي هو عليه، وأوصى به صحابته ودعاته، فقد أوصى معاذاً - رضي الله عنه - عندما أرسله إلى اليمن بأن يدعوهم، وأوصى علياً - رضي الله عنه - يوم خيبر أن يدعوهم وغيرهم، وهذا أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يأمر قادة الجيوش إلى الشام في وصيته المشهورة أن يؤدوا حق المدعوين بقوله:"فإذا لقيتم العدو من المشركين إن شاء الله فادعوهم إلى ثلاث خصال"(١)، فلم يفرط الصحابة في هذا الحق لمن يدعونهم إلى الإسلام.
ثانياً: إتيان المدعو في مكانه:
كما ذكرنا سابقاً إن من واجبات الداعي الذهاب إلى المدعوين وقصدهم بالدعوة، فللمدعو حق أن يؤتى في مكانه، أي أن يذهب الداعية إليه ولا ينتظر
(١) السنن الكبرى، البيهقي، كتاب السير، باب فضل الجهاد في سبيل الله، رقم ١٨٥٠، ٩/ ٢٧٠.