للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجيئه، بل عليه البلاغ وإيصال الدعوة له؛ لأن الداعية يدرك هذا الحق أكثر من المدعو، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذهب إلى الناس في أماكنهم ويعرض نفسه على القبائل، فلم ينتظرهم في مكان، وهذا ما قام به صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فها هو مصعب بن عمير - رضي الله عنه - يذهب إلى أهل يثرب ليدعوهم ويعلمهم الإسلام، وهذا عمرو بن مرة الجهني - رضي الله عنه - يذهب إلى جهينة فيدعوهم وهم في مكانهم، وها هو خالد بن الوليد - رضي الله عنه - يرسل رسله إلى أهل فارس ليدعوهم في دارهم ولم ينتظر منهم أن يأتوه هم. ولا يقف إتيان المدعو في مكانه بأن يأتيه بنفسه، فإن إرسال الرسائل تقوم مقام الشخص، فهذا بجير بن زهير بن أبي سلمى - رضي الله عنه - يرسل كتاباً إلى أخيه كعب بعد أن أهدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - دمه فيقول فيها: "اعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا قبل ذلك، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل" فأسلم كعب - رضي الله عنهم - أجمعين. وهذه طبيعة الدعوة أنها تبليغ رسالة من المُرسِل إلى المُرسَل إليه، "ولا يتم تبليغ الرسالة إلا بحركة المبلغ وانتقاله إلى المرسل إليه" (١)، وفي ذلك إقامة للحجة بين الناس، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٢)، كما أنه سبحانه لم يأمر رسله - عليهم السلام - أن يبقوا في مكان واحد ينتظرون من يأتيهم بل أمرهم بالتنقل والذهاب إلى المدعوين، قال تعالى لموسى - عليه السلام -: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ} (٣)،

فأمره بالذهاب وهو الانتقال من مكان إلى آخر، وقال تعالى


(١) الدعوة والإصلاح، محمد بشير حداد، ص ٢٠٤.
(٢) سورة الإسراء، الآية: ١٥.
(٣) سورة طه، الآية: ٢٤ ..

<<  <   >  >>