للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: عدم الإعراض عن الحق عند معرفته:

إن من البدهي لدى كل عاقل عند معرفة الحق وجلائه أن يتبعه ولا يعرض عنه؛ لأن الإعراض عن الحق لا يصدر من عاقل، وقد أهلك الأمم السابقة إعراضهم عن الحق وهم يعرفونه، قال تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (١)، فلو تأمل المدعو بعقله وفكره وجعلهما حكماً لعلم الحق وما أعرض عنه، وقد أرسل الله رسله للناس بالآيات البينات ليبعدهم ويريهم الحق حتى لا تكون لهم حجة بعد الرسل، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (٢)، وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (٣)، وجحود الحق والإعراض عنه صفة سيئة وعواقبها ضارة؛ لذلك كان واجباً على كل من يُدعى إلى الحق ويعرف أنه الحق أن يتبعه ويؤيده، فهذا واجب العقل والمنطق لمن هم على غير ملة الإسلام، وقد كان لهذا الأثر الكبير على مر العصور والأمم أن من يسمع الحق ويتبعه هم الناجون، ومن يعرض عنه هم الهالكون، فهذه سنة الله في خلقه، ومن البدهي أن النفس البشرية تحب كل ما فيه خير لها، فمعرفة الإسلام وما فيه من الخير يجعل المدعو يستبدل الذي كان عليه من جهل وضلال إلى الهدى والنور.

وكان الصحابة - رضي الله عنهم - أيضاً يعلمون أن الحق له قبول عند من كان


(١) سورة الأنعام، الآيتان: ٤ - ٥.
(٢) سورة النمل، الآيات: ١٣ - ١٤.
(٣) سورة النساء، الآية: ١٦٥.

<<  <   >  >>