وجودهم في السجن وحالتهم بتذكيرهم بالله ودعوتهم إلى التوحيد. كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد استثمر كل موقف ودعا إلى الله فيه، فكان إذا جاء أحد إلى مكة من غير أهلها يدعوه، وعند وفود الناس للحج كان يغتنم وجودهم فيعرض نفسه عليهم ويدعوهم، ولم يتوقف على هذه الحالة بل ذهب إلى اجتماعات العرب في المواسم كاجتماعهم في ذي المجاز وعكاظ ففيها من الفرص ما لا يوجد في غيرها.
ولأن كثيراً من المواقف والأحوال تجعل من الأشخاص أكثر عقلانية وتحكيماً للحق فإن هذه الفرصة تؤتي نتائجها مثلما حصل مع العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه - وأبي سفيان، عندما نزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران في فتح مكة، وذهب العباس - رضي الله عنه - على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلتمس أحداً يأتي مكة فيخبرهم بمكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيخرجون إليه ويستأمنونه قبل أن يدخلها عنوة، فوجد أبا سفيان فقال له: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، وأصباح قريش والله، قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ قال قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأستأمنه لك، قال: فركب خلفي ورجع صاحباه، إلى أن قال له: ويحك، أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك، فأسلم أبو سفيان (١)، فهنا كان موقف أبي سفيان وقريش عامة من الخوف والضعف سبباً في أن يطيع أبو سفيان العباس - رضي الله عنهما - فيما قال له دون تردد؛ لأنها مرحلة عقل وحكمة.
وفي وقت مراجعة النفس فرصة الداعي لعرض الدعوة وترغيب المدعو كما عمل