دون آخرين، فكل إنسان لديه ما يتميز به عن غيره، حتى ولو احتقرنا ذلك الشخص، فليس كل ما ظهر منه يعبِّر عن كل ما عنده من إمكانات.
وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - عدم دقة الحكم بالظاهر في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره"(١)، وهذا بيان قوة ذلك الشخص المسكين الضعيف؛ لأن القوة لا تكون إلا بالله.
فهذا عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - رجل ضعيف الجسم، وليس له عشيرة يمنعونه، يقرأ القرآن عند المقام في الضحى على مسامع قريش، ولم يثنه ضعف جسمه، وعدم وجود عشيرته من الدعوة، فهو قوي بعزيمته ونفسه، وقد علم ذلك من نفسه فاستثمره في إسماع المشركين القرآن، فكان أول رجل جهر بالقرآن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد يكون الجانب القوي في شخصية الداعي هو أضعف ما فيه، كما حصل من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بقبول دعوة أخته فاطمة - رضي الله عنها -، وذلك عندما لطمها وأدماها، فأوجد ذلك لديها قوة مواجهة لأخيها، وإعلان إسلامها أمامه، ورفضها إعطاءه الصحيفة لأنه مشرك، مما أخضعه لسماع قولها، واتباع أمرها، ودخوله في الإسلام بسببها. وأيضاً أم سليم عندما جعلت أبا طلحة - رضي الله عنهما - يسلم، وذلك أنها علمت أن لديها موقف قوة وهو حاجة أبي طلحة للزواج منها، فقرنت زواجها بإسلامه، فأسلم لذلك - رضي الله عنهما -.
(١) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب فضل الضعفاء والخاملين، رقم ٦٦٨٢، ص ١١٤٤.