للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مسلمة قالت له: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة؟ ففي قولها: "ألست تعلم" بيان أنها تعلم أنه يعلم عيب إلهه، ورده عليها بقوله: "بلى" دليل على اقتناعه بأن إلهه ليس بشيء سوى خشبة من الأرض، فكان أسهل شيء يقنع به هو تحريك ما هو مقتنع به في قرارة نفسه، فما احتاج إلا إلى إثارته وبعثه وإيجاد بديل له وهو الإسلام.

وهذا الاقتناع الداخلي بمعرفة الحق وجحده هو قديم أزلي لدى البشر، فقد جحد ابن آدم فضل أخيه عليه، وهو مقتنع بتقبُّل الله قربانه، كما جحد قوم موسى آياته وهم مستيقنون بصدقها، قال الشاطبي - رحمه الله -: "قد يحصل العلم مع التكذيب؛ فإن الله قال عن قوم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (١)، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٢)، وقال تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (٣)، فأثبت لهم المعرفة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم بين أنهم لا يؤمنون" (٤)، يقول الشيخ السعدي: "ليس جحدهم مستنداً إلى الشك والريب، وإنما جحدهم مع علمهم ويقينهم بصحتها" (٥).


(١) سورة النحل، الآية: ١٤.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٤٦.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٢٠.
(٤) الموافقات، الشاطبي، ١/ ٨٤.
(٥) تيسير الكريم الرحمن، السعدي، ص ٧٠٥.

<<  <   >  >>