للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيره، قال: حتى أنظر في أمري، فذهب ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالت: يا أنس، زوّج أبا طلحة، فتزوجها (١). فقد فضلت - رضي الله عنها - إسلام أبي طلحة على رغبتها فكان حبها للآخرة أكبر من محبتها للدنيا. وهذا يؤيده حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - الذي ذكرناه في الشاهد الرابع الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (فوالله لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم .. ( .. يقول الإمام النووي: "إن تشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا إنما هو للتقريب من الأفهام وإلا فذرة من الآخرة الباقية خير من الأرض بأسرها وأمثالها معها لو تصورت. وفي هذا الحديث بيان فضيلة العلم والدعاء إلى الهدى وسن السنن الحسنة" (٢). فكان ميزان أم سُليم - رضي الله عنها - هو أن الآخرة أرجح عند الله وأخير، وجمع الله لها خير الآخرة بإسلام أبي طلحة على يديها وخير الدنيا بزواجها منه.

كما يتجلى ذلك في حديث مسلم بن الحارث بن مسلم التميمي عن أبيه قال: بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية فلما بلغنا المغار استحثثت فرسي فسبقت أصحابي فتلقاني الحي بالرنين فقلت: قولوا: لا إله إلا الله تحرزوا، فقالوا؛ فلامني أصحابي وقالوا: حُرمنا الغنيمة بعد أن ردت بأيدينا، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبروه بما صنعت فدعاني فحسن لي ما صنعت، وقال: (أما أن الله قد كتب لك بكل إنسان فيهم كذا وكذا ((٣)، فقدم - رضي الله عنه - محبة هداية القوم على الفوز بالغنيمة الفانية في الدنيا ففاز بغنيمة الآخرة الباقية.


(١) انظر: أسد الغابة، ابن الأثير، ٥/ ٤٥٦ - ٤٥٧.
(٢) شرح صحيح مسلم، النووي، المجلد الثاني، الجزء الخامس عشر، شرح الحديث ٢٤٠٦، ص ٥٥٤.
(٣) صحيح ابن حبان، المجلد الثالث، الجزء الثالث، كتاب الصلاة، فصل في القنوت، الحديث ٢٠١٩، ص ١٨٤.

<<  <   >  >>