يقول رحمه الله بعد هذه المقدمة التي بين فيها منهجه في هذه العقيدة المختصرة المباركة:[نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله] .
(نقول في توحيد الله) وتوحيد الله هنا بمعناه العام الذي يشمل توحيد الإلهية والربوبية والأسماء والصفات؛ لأن هذه العقيدة لم تختص فقط ببيان نوع من التوحيد، وإنما قررت ما يتعلق بتوحيد الربوبية، وما يتعلق بتوحيد الإلهية، وما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، فهي عقيدة شاملة واسعة تناولت جميع هذه الأبواب، فليست خاصة بنوع من أنواع التوحيد، فمثلاً كتاب التوحيد للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يقرر في الغالب توحيد الإلهية، والواسطية على سبيل المثال الغالب فيها تقرير ما يتعلق بالأسماء والصفات، كذلك الحموية فيها تقرير توحيد الأسماء والصفات فقط وهلم جراً، أما هذه العقيدة فقررت ما يتعلق بالتوحيد على وجه العموم.
والتوحيد في الأصل مأخوذ من وحد يوحد توحيداً، فهو مأخوذ من وحد، وأصل هذا الفعل دائر على معنى الإفراد أي: أفرد، فالتوحيد هو إفراد الله عز وجل، وبماذا يحصل إفراده؟ إفراده يختص به سبحانه وتعالى في الإلهية وفي الربوبية وفي الأسماء والصفات، وأهم ذلك ما يتعلق بتوحيد الإلهية؛ لأنه الأصل الذي جاءت الرسل بالدعوة إليه، وهو المقصود من النوعين الآخرين، وهما: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.
فإن المقصود من توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الربوبية: تقرير الإلهية، ولذلك استدل الله جل وعلا في الكتاب على إلهيته بأسمائه وصفاته، وبما ذكره من معاني ربوبيته في كتابه سبحانه وتعالى، وأنه رب كل شي.
ولا يعني هذا أن توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات ليس لهما أهمية، بل إن توحيد الأسماء والصفات مما يزداد به الإيمان ويرسخ، ويتحقق توحيد الإلهية بقدر ما يتحقق في قلب الإنسان من توحيد الأسماء والصفات، فهي متلازمة يبنى بعضها على بعض، لكن في بيان ما جاءت الرسل بالدعوة إليه، وجرت الخصومة بينهم وبين أقوامهم إنما هو في توحيد الإلهية، وإن كان وقعت مخالفات في توحيد الربوبية ومخالفات في توحيد الأسماء والصفات، لكن الخلاف الأساسي والأصلي الذي جرى بين الرسل وأقوامهم هو في توحيد الإلهية.