[اعتقاد عجز الأفهام والخيالات عن إدراكه سبحانه وتعالى]
ثم قال رحمه الله:[لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام](لا تبلغه) يعني: الأفكار والخيالات والظنون فمهما شد الإنسان ذهنه وأعمل فكره وأشغل عقله في التوصل لصفات الله عز وجل وما له من الكمال فإنه يعود منكسراً حقيراً لا يصل إلى شيء؛ لأنه جل وعلا ليس كمثله شيء، فإذا كان ليس كمثله شيء فمهما وقع في باله أو خطر في ذهنه أو دار في خاطره فليعلم أن الله ليس كذلك؛ لأنه جل وعلا ليس كمثله شيء، والعباد لا يمكن أن يحيطوا بصفة من صفاته فكيف به جل وعلا؟! قال الله جل وعلا في صفة العلم وهي من صفاته:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ}[البقرة:٢٥٥] هذا في صفة من صفاته بجزء يسير من علمه فكيف به؟! فنفى جل وعلا الإحاطة به بصفة من صفاته، ونفى الإحاطة به فقال:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه:١١٠] .
ثم اعلم أن الله جل وعلا لكماله وعظيم ما يتصف به لا يدركه الإنسان حتى لو نظر إليه، نسأل الله أن نكون من الناظرين إليه سبحانه، فإنه إذا نظر الإنسان إلى ربه يوم القيامة فهذا النظر لا يحصل به الإدراك، كما قال جل وعلا:{لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:١٠٣] بل إن هذه السماوات لو أراد الإنسان أن يحيط بها لما استطاع، ولذلك قال الله جل وعلا:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ}[الملك:٤] فلا يمكن أن يدرك عظم هذا الخلق العظيم، والبناء الكبير، وهو مخلوق من مخلوقات الله جل وعلا فكيف به سبحانه وتعالى، فهو جل وعلا لا تبلغه الأوهام.
ولذلك ينبغي للمؤمن أن يقطع الوساوس، وأن يقطع الطريق على الشيطان، بأن يذكر قول الله جل وعلا إذا ورد عليه خاطر أو ما أشبه ذلك:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١] ليريح باله، ويهنئ فؤاده، ويطمئن قلبه، ويسلم من كثير مما يصطلي به أصحاب الوساوس والأفكار.
قال:(ولا تدركه الإفهام) أي: لا تحيط به الأفهام، وهذا مستفاد من الآيات التي ذكرناها في قوله تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه:١١٠] ومن قوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ}[البقرة:٢٥٥] ومن قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}[الأنعام:١٠٣] .
كيف نستدل بقول (لا تدركه الأبصار) على أنه لا تدركه الأفهام؟ نقول: إن قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) يدل على صحة قوله (لا تدركه الأفهام) ؛ لأنه إذا كان إدراك البصر مع سهولته ويسر حصول المطلوب من طريقه لا يحصل فيما يتعلق بالله عز وجل وصفاته، فكيف بما هو أصعب وهو إدراك الأفهام.
فإذا كان لا تدركه الأبصار مع سهولة إدراك البصر فإدراك الأفهام من باب أولى.