[اعتقاد أن الله يخلق الخلق بلا حاجة إليهم ويرزقهم بلا تعب أو مشقة]
ثم قال:[خالق بلا حاجة] فأثبت صفة الخلق لله جل وعلا، ونفى في هذه الصفة أن يكون الخلق عن حاجة؛ لأن من يخلق ومن يصنع قد يكون سبب خلقه وصناعته حاجته إلى ما يخلق، فإذا احتاج إلى شيء خلقه، كما أن الإنسان إذا احتاج إلى قلم صنعه، وإذا احتاج إلى بيت بناه وعمره، وإذا احتاج إلى مركب سواه وركبه، وهلم جراً، إلا أن الله جل وعلا خالق بلا حاجة.
وهذا قد أشار الله جل وعلا إليه في قوله:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}[الذاريات:٥٦-٥٧] ، فذكر الخلق والغاية منه ثم نفى أن يكون هذا الخلق للحاجة {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}[الذاريات:٥٧-٥٨] .
فخلقه ناشئ عن شدة قوته، وكمال غناه جل وعلا، لا عن حاجته إلى خلقه، والخلق من صفات الله عز وجل العظيمة، وهي تعني: الإبداع والإيجاد والتكوين، ومعنى الخالق: المبدع الموجد المكون سبحانه وتعالى.
ثم قال:[رازق بلا مئونة] أي: أنه جل وعلا يرزق عباده، ورزقه جل وعلا لا يكلفه ولا يتعبه ولا يشق عليه، بل رزقه للواحد كرزقه للخلق، ليس فيه كلفة، ويدل على ذلك قول الله جل وعلا لما ذكر ملكه عز وجل للسماوات:{لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}[البقرة:٢٥٥] أي: لا يكلفه ولا يثقله ولا يتعبه حفظ السماوات والأرض ومن فيهما؛ لأن الحفظ ليس فقط لجرم السماء وجرم الأرض، بل حفظه جل وعلا لمن في السماء ومن في الأرض.
ومن تمام الحفظ الرزق فإنه لا يقوم الحفظ إلا بالرزق؛ فلذلك كان جل وعلا رازقاً بلا مئونة، ويدل على ذلك أيضاً ما في الصحيح من حديث أبي ذر أن النبي صل الله عليه وسلم قال:(قال الله تعالى: يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا على صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منهم مسألته لم ينقص ذلك من ملكي شيئاً) ، فملك الله جل وعلا لا ينفد، ولا ينقصه سؤال السائل، ولا إعطاء الداعي، فهو جل وعلا رازق بلا مئونة، أي: بلا كلفة.