ثم قال:(والعرض) ، أي: ونؤمن بالعرض، والعرض هنا فسره بعض العلماء بالعرض على رب العالمين كما قال الله جل وعلا:{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ}[الحاقة:١٨] ، وقوله تعالى:{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا}[الكهف:٤٨] ، فالناس يعرضون على الله جل وعلا، بل الخلق كلهم يعرضون ويحشرون إلى رب العالمين، فيقضي الله جل وعلا فيهم بما يشاء، وقيل: العرض هنا هو ما يكون لأهل الإيمان من عرض أعمالهم عليهم دون محاسبتهم عليها، فيعرض على المؤمن ما يكون من عمله، ولا يؤاخذ على السيئة، بل يقرر بما كان منه من عمل دون مؤاخذة، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من نوقش الحساب عذب) ، فقالت عائشة رضي الله عنها مستشكلة لقوله تعالى:{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}[الانشقاق:٨] : كيف هذا وقد قلت: من نوقش الحساب عذب؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم (إنما ذلك العرض) ، يعني: يعرض عليه عمله الصالح فيسر به، ويعرض عليه عمله السيء الذي لم يتب منه، أما ما تاب منه فإن التوبة تهدم ما كان قبلها، وهذا من فضل الله ورحمته أنه إذا وقع الإنسان في سيئة ثم تاب منها لم تعرض عليه، وكأنه لم يفعلها وتمحى من كتابه، ففضل الله واسع، لكن مالم يتب منه من الذنوب يعرض عليه، والعرض عرض خفي، ليس عرضاً معلناً، بل يدنيه الله جل وعلا -كما في صحيح مسلم- ويضع عليه كنفه أي: ستره، ويقرره بذنوبه ثم يقول:(سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) ، وهذا فضل الله، نسأل الله من فضله! ويقابل هذا حال الكافر الذي يشاد بعمله، يشاد أي: يعلن وينادى بعمله السيئ على رءوس الخلائق، فالعرض يحتمل هذا، ويحتمل هذا.