[بعض الأدلة من القرآن على رؤية الله عز وجل]
قال رحمه الله: (كما نطق به كتاب ربنا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢-٢٣] ) .
قوله: (كما نطق به) أي: تكلم به، وبعض الناس يتحاشى من أن يقول: نطق الكتاب بكذا.
والظاهر أنه لا بأس بهذا اللفظ، وقد استعمله شيخ الإسلام رحمه الله في كثير من كلامه وكذلك ابن القيم وهو مستفاد من قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣-٤] فلعله مأخوذ من هذا، مع أن النطق في الآية مضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول: (كما نطق به كتاب ربنا) أي: القرآن العظيم، ثم ذكر أعظم ما يستدل به على إثبات الرؤية من القرآن وهو قوله وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢-٢٣] وهذه الآية هي أقوى ما في كتاب الله جل وعلا من إثبات رؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى، حيث قال: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢-٢٣] فأضاف النظر إلى الوجوه ومعلوم أن النظر يكون من الوجوه؛ لأن العينين محلهما الوجه، ولذلك أضاف النظر إلى الوجه.
ثم إنه عدى النظر بإلى ولا يكون ذلك إلا في نظر العين، فلا يستعمل نظر معدى بإلى إلا فيما ينظر بالعين، ثم قال سبحانه وتعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] وهذا لنظرها إلى الرب سبحانه وتعالى فاكتسبت من نظرها إلى الله جل وعلا نضارة، وكل هذا من الدلائل في هذه الآية على أن النظر هو النظر إلى الله سبحانه وتعالى.
أما أهل التحريف الذين يحرفون الكلم عن مواضعه فقالوا: إن قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] أي: مننتظرة لفضل الله ورحمته، وقالوا: إن هذه المادة تستعمل في الانتظار، ومن ذلك قول المنافقين لأهل الإيمان: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:١٣] ، فالجواب على هذا التحريف: أن في الآية ما ينفي تفسير النظر بالانتظار فإن الله جل وعلا ساق هذه الآية في التنعيم، ومعلوم أنه ليس من تنعيم أهل الجنة الانتظار؛ لأن الانتظار فيه إيلام، وإنما هو النظر إلى الرب سبحانه وتعالى الذي هو غاية نعيم أهل الجنة.
ثم إنه لا يمكن أن يكون قوله تعالى: (ناظرة) بمعنى: منتظرة وقد عُدي بإلى الدالة على أن النظر بالعين.
ثم إن النظر هنا أضيف إلى الوجه، ومعلوم أن الانتظار لا يضاف إلى الوجه، فدل ذلك على أن قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] ما فهمه سلف الأمة مما دل عليه الكتاب والسنة، أي: من أن النظر هنا هو النظر إلى الرب جل وعلا، كقوله تعالى في نعيم أهل الجنة: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} [المطففين:٢٣] فإن السلف فسروها بالنظر إلى الرب سبحانه وتعالى.
وكقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] فالزيادة فسرها صديق الأمة بالنظر إلى الرب جل وعلا، بل قد ورد ذلك في تفسير النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم من حديث صهيب، والمزيد فسره أبو بكر وغيره بالنظر في قوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] .
قال رحمه الله: (وتفسيره) -أي: تفسير النظر في قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣]- على ما أراده الرب وعلمه) وهذا فيه الرد على تأويل وتحريف المحرفين لهذه الآية، فإن تفسير النظر هنا على ما أراد الله تعالى وعلمه، والمراد بالتفسير هنا: على الكيفية: وإلا فالتفسير في المعنى أي: إدراك معنى هذا الكلام، فهو على ما أراد الله تعالى وعلمه، وعلمناه نحن من مقتضى اللغة وما نقل من تفسير الصحابة رضي الله عنهم، فهذا أمر لا يختص الله به، لكن الذي يختص الله به من التفسير هو معرفة حقيقة ما أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه، فحقيقة ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه هو الذي لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى.