المؤلف رحمه الله ومرجئة الفقهاء أخرجوا العمل عن الإيمان، فليس العمل عندهم داخلاً في مسمى الإيمان، بل هو خارج عنه؛ ولذلك قال:(الإيمان هو الإقرار باللسان) يعني: أن يقر الإنسان بما هو من الإيمان بأن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
[والتصديق بالجنان] الجنان المراد به القلب، وسمي بهذا؛ لأنه مستور مخفي، فهو مشتق من مادة جنة، وهي دائرة على معنى الخفاء والستر، والصواب إضافة العمل بأن يقول: والعمل بالأركان حتى يتم تعريف الإيمان.
وهل هذا الخلاف خلاف حقيقي، أي: يترتب عليه أحكام؟ من العلماء من قال: إنه خلاف لفظي؛ لأن الجميع يتفق على أن مرتكب الكبيرة مذموم، وأنه مهدد بالعقوبة، وأن الله قد يدخله النار، وأن من أهل الكبائر من يدخل النار، فهم يوافقون أهل السنة والجماعة في هذا.
ومنهم من يقول: إن الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي يترتب عليه اختلاف معنوي، فعلى قول مرجئة الفقهاء: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وعلى قول أهل السنة والجماعة: الإيمان يزيد وينقص وزيادته بالأعمال؛ فهذا يدل على أن الخلاف حقيقي.
أهل السنة والجماعة يرون جواز الاستثناء في الإيمان، يعني أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وأما على قول مرجئة الفقهاء، فلا يجوز الاستثناء.
وهذه من المسائل التي جعلت من العلماء من يقول: إن الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء خلاف حقيقي.
والصواب ما ذكره شيخ الإسلام في مواضع من كلامه، ومن ذلك: ما ذكره في شرح العقيدة الأصفهانية، وهو: أن الخلاف بينهم وبين أهل السنة والجماعة منه ما هو لفظي ومنه ما هو حقيقي، وبهذا يجتمع القولان: القول بأن الخلاف حقيقي، والقول الآخر بأن الخلاف، والنزاع بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء لفظي.
وقد قرر شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: أن الخلاف حقيقي بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء، وأنه ليس لفظياً، وذلك في تعليقه على شرح الطحاوية لـ ابن أبي العز، حيث قال ابن أبي العز: إن الخلاف لفظي كما ذكر ذلك شيخ الإسلام رحمه الله في بعض المواضع، وأطلق أن الخلاف حقيقي في بعض المواضع، وفصل وبين أنه خلاف كثير منه حقيقي، وكثير منه لفظي، وفي هذا الإشارة إلى أنه يترتب عليه في بعض المسائل أثر، وفي بعض المسائل لا أثر له.