[الأشياء التي يخرج العبد بها من الإسلام]
قال المصنف رحمه الله: [ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه] .
قوله: (لا يخرج العبد من الإيمان) يعني: من دائرة أهل الإسلام والإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه، وهذا الإطلاق فيه نظر؛ لأنه معلوم أن الكفر كفران: كفر الجحود، وكفر العمل.
وكفر الجحود هو: أن يجحد الإنسان ما علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء به، فكل من جحد شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه كافر، مهما كان هذا المجحود به، يعني من قال: إن السواك لم تأت به الشريعة، فهذا جحد شيئاً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يكفر بهذا، ولو كان المسواك لا يصل إلى حد الواجب.
فكفر الجحود هو جحود ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، جحود أي شيء ثبت أو علم الإنسان أنه قد جاء به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
والقسم الثاني: كفر العمل، وهذا على قسمين: القسم الأول: كفر يضاد الإيمان، ويخرج به صاحبه من دائرة أهل الإسلام، وكفر دون ذلك لا يخرج صاحبه عن الإيمان.
مثال الأول: الاستهانة بالمصحف، والاستهزاء بآيات الله، والسب لله ورسوله، والشرك الأكبر بأنواعه، كل هذا من الكفر العملي الذي يكفر به الإنسان ولو لم يجحد، وهذا مما يدلك على أن العبارة هنا ليست مستقيمة؛ لأن قوله: (ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود) دل على أنه إذا لم يجحد لم يخرج، فإذا لم يجحد تحريم السجود للأصنام وسجد لها فهل يكفر على هذه العبارة أو لا يكفر؟ لا يكفر؛ لأن المؤلف حصر الكفر في الجحود فقط وهذا فيه نظر.
والقسم الثاني من كفر العمل: ما ينقص الإيمان، لكنه لا يخرج به صاحبه عن دائرة الإسلام مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) فجعل السباب فسوقاً، والفسوق خروج عن الإيمان؛ لأن الفاسق معناه: الخارج، لكنه ليس خروجاً يحصل به الكفر للإنسان، يعني: لا يخرج به عن ملة الإسلام، فلا يسلب الفاسق الملي اسم الإيمان بالكلية.
وكذلك قتال أهل الإسلام كفر، لكن هل هو الكفر المخرج عن ملة الإسلام؟
الجواب
لا؛ لأن الله جل وعلا قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:٩] فجعلهم من أهل الإيمان مع وجود الاقتتال.
فقتال المسلم كفر، لكنه كفر دون كفر، كما ورد هذا التفسير عن ابن عباس وغيره من سلف الأمة.
والشاهد أن الكفر منه ما يضاد الإيمان فيخرج عن الإسلام، ومنه ما لا يضاد الإيمان فيكون صاحبه مسلماً معه إيمان، لكنه ناقص الإيمان.
وإذا أدرك الإنسان هذا علم أن كلام المؤلف رحمه الله فيه خلل، فهذه العبارة فيها نظر بين، ولعل المؤلف قال هذا بناءً على تعريف الإيمان الذي سار عليه المؤلف ومرجئة الفقهاء.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على العقيدة الطحاوية: هذا الحصر فيه نظر، فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما، فإن كان ينطق بهما دخل في الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره، وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد من ذلك: طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وسلم، أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه، أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٦] .
ومن ذلك: عبادته للأصنام أو الأوثان، أو دعوته الأموات والاستغاثة بهم، وطلبه منهم المدد والعون ونحو ذلك؛ لأن هذا يناقض قول: لا إله إلا الله التي تدل على أن العبادة حق لله وحده، ومنها: الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك، فمن صرف منها شيئاً لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجن وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله، ولم يحقق قول: لا إله إلا الله، وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم، وهي ليست من مسائل الجحود، وأدلتها معلومة من الكتاب والسنة، وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحوداً، وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد، فراجعها إن شئت، وبالله التوفيق.
اهـ هذا مضمون ما تقدم من المؤاخذة على هذه العبارة.