للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أسباب تفاوت أهل الإيمان]

قال رحمه الله: [والتفاضل بينهم: بالخشية والتقى، ومخالفة الهوى، وملازمة الأولى] التفاضل بينهم يعني: بين أهل الإيمان، والخشية: هي الخوف المقترن بالمحبة والوجل، والخشية خوف مع علم؛ ولذلك لا يوصف به إلا أهل العلم، قال الله جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨] ، بخلاف الخوف فقد يكون ممن ليس عنده علم، أما الخشية فلا تكون إلا من أهل العلم.

قال: (والتقى) والمقصود بالتقى أي: تقوى القلب، لا تقوى الجوارح؛ لأن تقوى الجوارح ليست داخلة في الإيمان، فلا يكون فيها تفاضل بين أهل الإيمان، وهو يشير بهذا إلى أن عمل القلب داخل في مسمى الإيمان، ولكن هذا قصر للعمل، فالعمل الذي يدخل في الإيمان هو عمل القلب وعمل الجوارح، وهم عندهم أن أصل الإيمان -وهو التصديق- أهله فيه سواء، وهذا ليس بصحيح فحتى التصديق يختلف فيه الناس.

الآن أنت تصدق بالخبر إذا جاءك من زيد ويزيد تصديقك بالخبر إذا جاءك من عمرو وأنت مصدق في كلا الحالين، لكن تصديقك لخبر زيد أقل من تصديقك لخبر عمرو لما تعرف عن عمرو من الدقة والتحري والتثبت أكثر من زيد، فالتصديق يختلف؛ ولذلك قوله رحمه الله: (والإيمان واحد وأهله في أصله سواء) ليس بسديد، حتى لو سلمنا أن التصديق واحد للجميع، لكنه واحد متفاضل، لا شك أنه من حيث أدنى المراتب التي يحصل بها الإيمان والإسلام الجميع فيه متفق، لكن هناك تفاوت وتفاضل بين تصديق هذا وتصديق ذاك، وبين إيمان هذا وإيمان ذاك، فالمؤلف رحمه الله قصر التفاضل في أعمال القلب، والواقع أن التفاضل بين أهل الإيمان يكون في أعمال القلوب، وفي أعمال الجوارح، وقوله رحمه الله: [ومخالفة الهوى] أي: مخالفة ما تهواه النفوس وتشتهيه، وسمي الهوى هوىً لأنه يهوي بصاحبه في المهلكات، ويوقعه في المرديات.

قال: [وملازمة الأولى] أي: ملازمة ما ينبغي أن يلازمه الإنسان، والصحيح ما ذكرنا من أن التفاضل يكون بعمل القلب واللسان، فمن قال: سبحان الله أفضل ممن لم يقل: سبحان الله، ومن خشي بقلبه أفضل ممن لم يخش الله جل وعلا بقلبه، ومن زاد ركعة أو سجدة أفضل ممن نقص.

وفي أذكار الصباح والمساء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضل قول: سبحان الله وبحمده مائة مرة في اليوم، فقال: (وليس يفضله إلا من قال مثل ما قال أو زاد عليه) ، فدل ذلك على أن الزيادة في القول زيادة في الفضل، والأدلة على زيادة الفضل بزيادة العمل كثيرة جداً، ولكن هؤلاء لما وقع عندهم الإشكال أخرجوا الأعمال؛ حتى لا يحتج عليهم الخوارج وأشباههم من الوعيدية فيوقعون الكفر بمن لا يستحقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>